مشاري الذايدي



هناك أوهام كثيرة قيلت حول ما يوصف بأنه ثورات عربية في العالم العربي، مثل أن ما يجري هو فجر ديمقراطي جديد، أو أنه laquo;ربيع عربيraquo; وليد، سيثمر لنا زهور الحرية وورود الحداثة، أو على حد تعبير الجملة المصرية الشعرية: laquo;الورد اللي فتح في جناين مصرraquo;..

أوهام لأنه من المجازفة الجزم بأن علل الثقافة العربية قد زالت بضربة واحدة هي سقوط حكم بن علي في تونس، ومبارك في مصر، أو احتمالية سقوط حكم القذافي في ليبيا، وصالح في اليمن، والأسد في سوريا.. فما حدث هو laquo;إسقاطraquo; لحكم هؤلاء الرؤساء (هل نقول عن الأخ العقيد معمر إنه رئيس؟!) من قبل طرف آخر حملهم كل الشرور، ووصف الشر والفساد جدير بأغلبهم حقا، لكن هل هم فقط من يتصفون بعلل السياسة العربية؟ وهل هم نتيجة لخلل العقل العربي السياسي أم سبب له؟

أهمية السؤال تأتي لأهمية توجيه مشرط الجراح وسماعة الطبيب إلى موضعهما الحقيقي. فهل الخلل في الأفراد الذين حكموا هذه المجتمعات العربية أم في الثقافة التي أنتجتهم؟ أيضا أهمية هذا السؤال تأتي من مشاهدتنا لجماهير رفعوا صور جمال عبد الناصر في جموع الغاضبين المصريين على مبارك، باعتبار عبد الناصر النقيض الموضوعي لاستبداد مبارك! أو توقع آخرين أن فكر ورثة حسن البنا وسيد قطب، في مصر، أو الزنداني في اليمن، هو البديل المناقض للحكام الظلمة الاستبداديين أعداء الحرية..!

هل يعني هذا أنه كان لا بد من الإبقاء على مبارك وصالح مثلا؟! بتاتا، لكنه يعني أنه ليس صحيحا أن العلة فقط في مبارك أو صالح، بل في الثقافة التي أنتجتهما، وستنتج غيرهما، وبشكل أكثر ضررا، ربما بسبب الاستناد إلى شرعية الثورة وشرعية السماء.

بكل حال، كانت هناك رغبة في التوقف عند وهم آخر من أوهام laquo;الثوراتraquo; العربية الحالية، وهو أن الإنترنت، خصوصا (الـlaquo;فيس بوكraquo;، وlaquo;تويترraquo;)، هو الذي أخرج الناس إلى الشوارع وأسقط الأنظمة الحاكمة، وهو وهم استبد بالجميع، أو أغلبهم، للدرجة التي غيبت العوامل الأخرى في ما جرى، وهي عوامل كثيرة جدا، وليس الإنترنت وحده هو من فعلها، وقد سبق أن شرح الكاتب محمد الرميحي، في هذه الجريدة، أسطورة أن الإنترنت فقط هو الذي أشعل الثورات العربية، فهناك عوامل تتعلق بالاقتصاد ويأس الفقراء وlaquo;الحقرةraquo; التي كان الحكام يمارسونها على الناس، إضافة إلى ما أصفه بـlaquo;العدوىraquo; الإعلامية على طريقة قول المعري، حكيم الشعر العربي:

تثاءب عمرو إذ تثاءب خالد

بعدوى فما أعدتني الثؤباء!

لكن مهما قلنا عن وضع laquo;فيس بوكraquo; وlaquo;تويترraquo; في دورهما الطبيعي، سيظل هناك من يلح على وصف ما جرى بثورة الـlaquo;فيس بوكraquo;، الأمر الذي أورث مرتادي هذه المواقع نوعا من الاعتداد بدورهم المبالغ فيها إلى الدرجة التي جعلتهم يشعرون بنوع من التعالي على من لا يستخدم حسابا في الـlaquo;فيس بوكraquo; أو laquo;تويترraquo;، وأنه جاهل وغائب عن العصر، حسب ما نبه إليه بذكاء الكاتب السعودي ممدوح المهني في مقالته قبل أيام بجريدة laquo;الرياضraquo; السعودية بعنوان: laquo;تقنية أنت (متخلف) إذا لم يكن لديك حساب بالـ(فيس بوك)raquo;!