دبي الحربي

تحدث العالم كثيراً عن الربيع العربي, وقيام ثورات شعبية عدة متزامنة في أكثر من قطر عربي, ابتداء من تونس وانتقلت إلى مصر ثم امتدت إلى ليبيا واليمن وسورية ومملكة البحرين, وإذا كانت كل من مصر وتونس قد دشنتا هذا النهوض العربي, وحققت ثورتاهما الشعبية والشبابية إنجازاً مهماً في غضون أسابيع, فإن الأفق أمامهما مازال قاتماً, مع تكالب القوى المعادية للديمقراطية من فلول جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; وشقيقاتها من سلفية وجهادية وغيرها, وكذلك سطوة العسكر الذين يتوقون كما يبدو الى ايام زمان بفرض وصايتهم على الشعب والدولة, ومحاولات القوى الدينية نسج تحالف مع المؤسستين العسكريتين في البلدين, للحد من أفق التغيير المنشود, وتقليم أظافر الحراك الشعبي نحو ديمقراطية تساوي بين أبناء الوطن الواحد, وتترك الدين لله, فكل الديانات بلا استثناء مزقتها الاجتهادات والتأويلات الفقهية والمصالح والصراعات السياسية.
هذا الواقع رغم ما يوحي به من قتامة على أفق التغيير في تونس ومصر إلا ان إصرار الشباب والقوى المستنيرة في البلدين على الإبقاء على وهج الحراك الثوري, حتى تحقق كامل الأهداف التي ثاروا من أجلها كفيل بإحباط مساعي القوى الرجعية والطائفية الهادفة الى صرف أجندة الثورتين عن مسارهما الصحيح, ومن هنا يمكن أن نقول إن تونس ومصر قد تجاوزتا عنق الزجاجة.
الحرد السياسي للطغمة الحاكمة والعسكرتاريا النفعية في كل من ليبيا واليمن وسورية قد فتح شهية التدخلات الأجنبية والإقليمية لحرف مسار الحراك الشعبي المنادي بالحرية والديمقراطية, أو كما قال أحد الثائرين في درعا لإذاعة الmacr;raquo;بي بي سيlaquo;: raquo;خبز وكرامةlaquo; فعندما يهدر الإنسان كرامته للحصول على رغيف الخبز, تفقد الحياة معناها ويفقد الإنسان أبسط معاني الحرية, فما بالك مع تزايد وتراكم متطلبات الحياة المعاصرة.
لا نريد أن نطيل في هذا السياق, فإن عناد معمر القذافي في ليبيا, قد أدى إلى تدويل الموضوع الليبي ووضع التحول الليبي في مهب المصالح الخارجية, للدول الكبرى ودول الاتحاد الأوروبي, فالتلكؤ في الحسم رغم الغطاء الدولي الذي أعطي لحلف raquo;الناتوlaquo; عبر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 يدل دلالة أكيدة على ان الموضوع الليبي قد يستمر لأشهر حتى يتم ترتيب الأوضاع في كل من مصر وتونس لمنع أي تكامل فعال بين الدول الثلاث لما تملكه هذه الدول من ثروات تكاملية وجوار عز نظيره, فليبيا التي تملك ثروة نفطية هائلة في حاجة ماسة الى تنمية متسارعة الإيقاع ومستدامة ستساعد في تخفيف الأزمات الاقتصادية في كل من تونس ومصر, وخلق فرص عمل للقوى الشابة والمدربة في البلدين.
إذا عدنا لليمن فإن هواجس التشطير التي كانت تدعمها بعض دول الخليج العربية, قد تلاشت مع تنامي قوى الثورة والحس الوحدوي, حتى الحوثيين وفلول quot;القاعدةquot; وما سمي quot;الحراك الجنوبيquot; بدت مرحبة بالثورة وشبابها, وانزاح أنصار تلك المجموعات عن قياداتها لصالح الأفق الجديد الذي تبشر به الثورة الشبابية في اليمن, إلا أن الحرد السياسي للرئيس اليمني علي عبدالله صالح حتى الآن قد يعقد الأمور, ولكنه لن يسد الأفق أمام التغيير في اليمن, كما أن دول الجوار والقوى الكبرى مرحبة بهذا التغيير لما يحمله من مجال واسع لاحتواء قوى التطرف الإسلامي, لصالح العقلانية والديمقراطية.
أما الوضع في البحرين فإن الأمور بدأت بالتهدئة, والأرضية مهيأة لحوار وطني جاد ومثمر يلبي مطامح وتطلعات جميع الأطراف بعد أن أدرك الجميع أن المعالجات والشعارات الخاطئة لن تزيد الأمور إلا تعقيدا وتضر بالبحرين حكومة وشعباً, وهذا الأمر استوعبته طهران, مع تفجر الوضع في سورية, وتعسر ولادة الحكومة الجديدة في لبنان, ودخول الموازن الاقليمي التركي على الخط, فلم تعد ايران هي اللاعب الوحيد في الإقليم, والخلافات بدأت تعصف بالقادة والملالي في طهران, وبدأت لغة العناد والمشاكسة تتراجع لصالح التعاطي مع الأحداث في المنطقة وفق منطق التغيرات الكونية والأدبيات المعاصرة, واذا استطاعت ايران تصحيح العلاقة بينها وبين العراق من دور الوصاية الايديولوجية الى علاقات حسن الجوار فان المنطقة بعمومها مقبلة على تغيرات مهمة, ستصب في مصلحة شعوب المنطقة بالحرية والكرامة والديمقراطية والتعاون المشترك بدل ان تكون بؤراً للتوتر تتقاذفها أجندات الدول الكبرى والنزاعات الطائفية.
أما تفجر الثورة في سورية, فلن تفيد فيه المسكنات والاستخدام المفرط للقوة, أو الاتكاء على طهران والهروب الى العراق لنسج تحالفات ذات نفس طائفي, فالعاملان التركي والدولي حاسمان في الموضوع السوري, ويبقى الرهان حتى الآن على قدرة الرئيس السوري بشار الأسد اقصاء مراكز القوى التي تكبله والسير في اصلاحات عميقة وجادة وان يغير من تحالفاته ويستعين بالقوى الوطنية السورية الحقيقية بدلا من تلك الجماعات السادية والميليشاوية.
أما دول الخليج العربية التي اهدرت آلاف المليارات من الدولارات في استثمارات خارجية ثبت عدم جدواها, فبات عليها ان تعيد النظر في سياساتها وذلك من خلال مسارين:
- أولهما مد جسور التعاون والدعم للثورات في كل من مصر وتونس واليمن, وايضا سورية , من خلال البدء في استثمارات مفيدة ومنتجة تضمن لها علاقات طيبة مع هذه الثورات وتعود عليها بالنفع سياسياً واقتصاديا.
- ثانيهما: المباشرة بإصلاحات سياسية جادة تتلاقى مع تطلعات شعبها, وتبعد عنها ويلات الولادات المتعسرة لاصلاحات ديمقراطية أصبحت استحقاقا لا يمكن تجاهله, فان quot;بقاء الحال من المحالquot; ولا اعتقد ان الاعتماد على الحاضنة الغربية سيقيها او يحميها من رياح التغيير المستحق, فالعالم اليوم وشعوب الدول الحاضنة للواقع الخليجي باتت تضغط على حكوماتها لمساندة القوى المطالبة بالاصلاح والديمقراطية.