شملان يوسف العيسى


quot;إن اهتمام تركيا بما يجري في سوريا يختلف عن اهتمامها بما جرى في مصر أو تونس، لأن الوضع بالنسبة لسوريا مختلف تماماً، وتركيا تعتبر ما يجري في سوريا مسألة تمس تركيا لأن سوريا دولة مجاورة وهناك حدود ممتدة بمسافة 850 كليومتراًquot;. (رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا 2011/6/1).

ويعود اهتمام تركيا بسوريا إلى اعتبارات استراتيجية عديدة، وقد أوضح وزير خارجية تركيا، أحمد داود أوغلو، في كتابه quot;العمق الاستراتيجيquot;، أن تركيا تسعى لإعادة تأسيس العلاقات العربية التركية على أرضية عقلانية تأخذ في الاعتبار الأوضاع العالمية والإقليمية الجديدة في فترة تشهد تحولات جادة في تركيا والدول العربية. لذلك تركز تركيا في سياستها على منطقة المشرق العربي، خصوصاً سوريا والعراق، وتأتي بعدهما لبنان والأردن والسعودية ومصر، فقد ألغيت تأشيرات الدخول بين تركيا وكل من سوريا ولبنان والأردن.

وتتعرض حكومة أردوغان إلى ضغوط محلية ودولية داخل تركيا، ويأتي الضغط الداخلي الأهم من قواعد quot;حزب العدالة والتنميةquot; الإسلامي السني الحاكم، حيث قادة الحزب بأن الانتخابات القادمة قريباً في تركيا تتطلب اتخاذ مواقف واضحة تجاه سوريا. كما تتعرض حكومة أردوغان لانتقادات قوية من قبل الصحافة اليسارية. أما خارجياً فتأتي الضغوط من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي الذين اتخذا مواقف متشددة من سوريا بسبب معاملتها المتظاهرين المطالبين بالحرية. هذا علاوة على أن تركيا لا تريد أن ترى تكراراً للتجربة الليبية على حدودها الجنوبية.

لكن ما هي الخيارات المفتوحة أمام تركيا اليوم؟ الخيار الأول هو الاستمرار في دعم الحليف والشريك الاستراتيجي القديم والمراهنة على مقدرة الأسد على الخروج من الأزمة التي تعصف بنظامه، لذلك حرص أردوغان على الاتصال به لحثه على إجراء الإصلاحات المطلوبة، حيث حثه مراراً على اتخاذ خطوات حاسمة وشجاعة، وأكد أردوغان بأن الأسد أصدر بعد يومين من هذا الاتصال قراراً بالعفو العام عن السجناء السياسيين.

الخيار الثاني هو خيار التغيير الذي تمثله المعارضة السورية الواسعة، وقد عقدت هذه المعارضة مؤتمرها في مدينة انطاليا بجنوب تركيا، وواضح جداً بأن تركيا تحاول إرضاء الحكومة السورية والمعارضة في نفس الوقت لضمان مصالحها في الجار القريب.

تتمتع سوريا بتنوع قومي وديني وإثني وثقافي، ففيها مسلمون ومسيحيون ودروز وعلويون وأكراد وأقلية يهودية.. وتعدد يفترض أن يعطي الحكومة السورية دفعة قوية لتحقيق التنمية والتطور الاقتصادي المطلوب، ركيزته حكم ديمقراطي يضمن مصالح الجميع ولا يصادر حرية أحد. فبشار عندما ورث الحكم عن والده عام 2000 أعطى الوعود الكثيرة بإطلاق الحريات والسماح بتعدد الأحزاب وإلغاء حالة الطوارئ وفتح الاقتصاد السوري، لكن هذه الوعود لم تتحقق، وعندما طالب الشعب السوري بالإصلاحات التي وعد بها الرئيس، استخدمت الحكومة السورية الدبابات لاقتحام المدن وقطع الكهرباء والماء والمواصلات، وقيل إنه تم السماح للاستخبارات بقتل الأطفال وتشويه جثثهم.

أما من جانبها فقد أعلنت تركيا على لسان وزير خارجيتها، بأنها كانت تتوقع انطلاق عجلة الإصلاح قبل أشهر طويلة، لكن الآن يصعب التأكد مما إذا كان الأتراك، والسوريون أيضاً، سيستمرون في المراهنة على قدرة الأسد على الإمساك بزمام الأمور.