نهار عامر المحفوظ

في صيف 2003 كتبت سلسلة مقالات تحدثت فيها عن الاحزاب الكويتية السابقة والمتواجدة على الساحة، والخلاصة ان هذه الاحزاب وتلك تشترك في قاسم مشترك في كيفية نشأتها جميعها وطبيعة تفكيرها ونضالها المستمد من احزاب الام في اوطان لها ظروفها السياسية المختلفة وبيئاتها الاجتماعية وثقافاتها التي لا تلتقي ولا تتشابه مع الخصوصية الكويتية ولا تلبي الهموم ولا الحاجات الشعبية ولا تسهم في نهضة الوعي السياسي الكويتي، فهذه الاحزاب السابقة واللاحقة قد تكونت بقرارات غير كويتية لتكون فروعا لتلك الاحزاب وتتقيد ببرامجها وتحمل رسالتها بتبعية مطلقة.
وعلى هذه القاعدة وبهذا المبدأ تخلت هذه الاحزاب عن الشأن الوطني وأهملت القضايا المحلية وغدت معوقا رئيسا اعاق التطور السياسي والاجتماعي والوطني عند الانسان الكويتي وحلقت به بعيدا عن اجوائه الطبيعية وواقعه الحقيقي وحملته شأن وقضايا وهموم الآخرين لينغمس في بحثها وتحمل وزرها ويغرق في بحث ومتابعة ما لا يعنيه، الامر الذي تبعه نكوص في الوعي اصاب الساحة الشعبية الكويتية وتعطلت معه مؤسسات المجتمع المدني التي انقادت معظمها لهذه الاحزاب وتلك وحملت شعاراتها وتشربت بادبياتها ونادت بدعواتها واختفت عن نشاطاتها المسألة الوطنية بخصوصيتها الكويتية.
لقد كبرت احزاب القومية وتوسعت في الاستقطاب الجماهيري ولكنها سقطت وهوت وانفضت كوادرها من حولها لافتقادها النفس والحس الوطني وتجاهلها للواقع الكويتي ولعدم تعاطيها مع القضايا والهموم الشعبية وكان الانسحاب الجماهيري للبحث عن البديل الذي سقط هو الآخر ونعني بذلك احزاب الاسلام السياسي التي تكاثرت بالولادة نفسها وعلى النهج ذاته للاحزاب السابقة مع اختلاف الايديولوجية التي تدثرت بالرداء الاسلامي كاطار تختفي وسطه اهدافهم السياسية ومقاصدهم الدنيوية، ولن يكون مصير التيارات السياسية الاسلامية افضل بحال من سابقيهم، وقد بدأنا نتلمس تذمر الشارع من تدخلات هذه التيارات في كل صغيرة وكبيرة بما في ذلك حريات وخصوصيات الافراد والجماعات المشروعة دستوريا من خلال تنصيب احزابهم حراسا بدون توكيل بسبب ضعف الحكومة ومسايرتها وتلبيتها لمطالبهم، وفي هذا الاتجاه الحكومي نود تذكير من لم يطلع ويفتقد الخبرة بان الحكومات السابقة قد سايرت القوميين العرب واجابت جميع مطالبهم وقت قوتهم الجماهيرية وعنفوانهم الحزبي، ولكنها تخلت عنهم عندما وجدتهم يتهاونون، وعلى الوتيرة ذاتها سيكون لحكومات قادمة موقف مختلف مع احزاب الاسلام السياسي وسينفك عقد التعاون والمهادنة في وقت ليس ببعيد.
حملت احزاب القومية قضايا وازمات العرب واقحمت الكويت والكويتيين بحملها وتحمل اوزارها فلفظها الشعب الكويتي بعد مرارة تجربتها وقد جاء الدور على احزاب الاسلام السياسي التي تمادت في نشاطها واضرت بمصالح الوطن في معاداتها للحلفاء والاصدقاء عدا همسها وتشكيكها في مسائل تخص الشأن المحلي والسيادة الوطنية، وكذلك استيراد مصائب وازمات ومشاكل تحدث خارج الحدود فتردح في تأييدها ومناصرتها او تندد بها وتعاديها خارج المعايير والمحاذير الوطنية.
واخيراً: متى نرى بزوغ فجر جديد يشهد مولد حزب كويتي يعنى بقضايا الوطن ويحمل هموم شعبه ويرسخ الثقافة الوطنية على قاعدة الحفاظ على الديموقراطية وحماية الدستور ضمن اطار محكم يضمن سلامة الوحدة الوطنية وتمتينها ويعيد الثقة الى النفوس ويزيل الشكوك التي خلفتها احزاب الماضي والحاضر؟، وليكون حزباً وطنياً ديموقراطياً تقدمياً يجمع جميع الكويتيين ويلغي خلافاتهم الوهمية.