نبيل بومنصف

لعل ما بات أكثر أهمية من تركيبة حكومة لبنانية وبيانها الوزاري والتزامها المحكمة الدولية، وهي العناصر التي ترصدها الولايات المتحدة ومعها المجتمع الدولي للتعامل مع هذه الحكومة. هو توقيت ولادتها بعينه الذي ما اكتسب يوماً بعداً رمزياً وعملانياً مهماً مقدار ما سيكتسبه في هذه المرحلة.
فلو سلمنا جدلاً ان المحاولة الاكثر تقدماً الجارية الآن لاستيلاد الحكومة ستفضي في قابل الايام القليلة الى نجاح، فان ذلك سيعني بلا شك quot;اعادة تموضعquot; لبنانية شاملة على المستوى الاستراتيجي الاقليمي بالدرجة الاولى مع اقبال لبنان على ادارة سياسية مختلفة تماماً للمرحلة quot;قدquot; تمتد الى مشارف الانتخابات النيابية المقبلة.
من هذا البعد الداخلي لا يعود مستغرباً ان يستهلك مخاض تأليف الحكومة نحو خمسة اشهر. فكيف حين يقترن أيضاً بظروف انفجار الدومينو العربي؟
وبمعزل عن ميزان الايجابيات والسلبيات الذي سيتعين على قوى الاكثرية الجديدة ان تواجهه، فان ولادة مفترضة لحكومتها هذا الاسبوع تحديداً ستجعل لبنان يخترق طابوراً طويلاً من الاولويات والعناوين العربية المتوهجة لدى الرأي العام الدولي التي جعلت العالم يغفل تماماً عن الأزمة الداخلية في لبنان. لن يكون حدثاً عادياً مثلاً ان تعلن مراسم تشكيل حكومة ائتلاف 8 آذار وquot;الوسطيينquot; بالتزامن مع ولادة حكومة الائتلاف الوطني الفلسطينية بين quot;فتحquot; وquot;حماسquot; المنتظرة مطلع هذا الاسبوع. ولا غرابة ان يجري العالم مقارنة لمدلولات قيام حكومة وحدة وطنية في quot;لا دولة فلسطينquot; في حين ستقوم في دولة لبنان الحكومة التي اسقطت حكومة الوحدة الوطنية لدواع quot;ديموقراطيةquot; صرفة.
واذا كان هذا البعد لا يحضر ابداً في الداخل اللبناني، فانه لا يقلل أثر حكومة موعودة ولادتها هذا الاسبوع وسط اندفاع الأزمة السورية الى ذروة مخيفة بكل المعايير السياسية والامنية والانسانية والاستراتيجية. وغني عن البيان حجم المدلولات الذي سيصاحب ولادة كهذه ان قيض لها النجاح سواء في تفحص quot;الحضورquot; السوري في الولادة او في غيابه. ثم ان البعد الداخلي الخالص في توزع القوى داخل الحكومة واحجامها ومدى تضخم هذا النفوذ او تضاؤل ذاك او الموازنة بين ماء الوجوه لن يقل اثارة وتوهجاً.
مجرد اعلان الحكومة ان حصل سيرسم فوق لبنان عنوان تحوّل كبير وضخم. اذ يكفي ان يعلن ان حكومة ولدت في لبنان في حزيران الربيع العربي الدامي حتى ينقض الفاحصون من كل حدب وصوب لنصب المجهر واخضاع الحدث للتشريح عمودياً وأفقياً وبالطول وبالعرض. وبكل الامتدادات الواقعية والمفترضة والمتخيلة.
هي فرصة هائلة اذاً ولكنها محفوفة بحدين. فرصة التوقيت الذهبي وفرصة الاختبار الفاحص لمرة واحدة، ولم يعد الوقت يرحم اصحابه. فما بعد هذه الفرصة لن يكون على الأرجح سوى مضي نحو مزيد من التآكل وتسليم بتصريف اعمال استنزافي الى امد غير محدود. ولعله اسبوع لا يشبه كل الاسابيع التي سبقته.