يوسف الكويليت
كثيرة هي الدراسات والأفكار التي تحدثت عن الديمقراطيات المختلفة وتباينها بين شعب وآخر، إلا أنها تلتقي على المضامين المتشابهة، ثم جاءت آراء أخرى باشتراطات الدول التي تملك القدرة على تطبيقات تشريعاتها، والسير بها دون خلافات تؤدي إلى تمزق البلد الواحد وانقساماته..
أوروبا ودول أخرى صاغت أنظمتها ونجحت، واستطاعت تعميم تجربتها، ولكن بعد نجاح الحزب النازي وانقلابه على الاشتراطات الديمقراطية، وتحوّله إلى حزب عنصري وعسكري فجّر الحرب العالمية الثانية، جاء ذلك كإنذار لأي دولة أو نظام يحاول الخروج عن الخطوط المسموح بها، وكادت تجربة النازية أن تنجح عام (٢٠٠٠) عندما نجح حزب الحرية الفاشي في النمسا بقيادة laquo;يورج هايدرraquo; ما اضطر دول أوروبا للرفض، ومعاقبة النمسا بفرض عقوبات حادة لو سُمح له النجاح والاشتراك في الائتلاف الحكومي، والنتيجة كانت إعادة الانتخابات بعد عامين ليُمنى بخسارة حادة..
إذن فالديمقراطية مقيدة وليست حرة مطلقة تؤدي إلى أحزاب متطرفة أو فاشية، وهذا ما فرض على عدة دول إسلامية خوض تجارب وصِدامٍ مع العسكر في كلّ من تركيا وأندونيسيا والجزائر، لتجد الدولتين الآسيويتين النجاح بعد نضال مرير بعزل العسكر، وتثبيت الديمقراطية، لتنجح أندونيسيا بأن تكون من البلدان ذات الاقتصاديات الناجحة، وكذلك تركيا..
أما في الجزائر فقد وصل الإسلاميون باقتراع حر، ولكن بمجرد فوزهم حاولوا احتكار السلطة، ومنع أي حزب مشاركتهم في الحكم، وهنا تدخل الجيش وتحول الصراع إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وهذا يقودنا إلى التجارب غير الناضجة أو المبشرة بأن مصر وتونس بعد ثورتيهما قد تنزعان إلى تطوير تجربة تناسب أحوالهما المستجدة، لكن ماذا لو فاز الإسلاميون أي كانت تسمية أحزابهم، وطرحوا فكرة التعددية ولكن من خلال دستور يتناسب مع أفكارهم، أو أقاموا حكومة تقبل بالتنوع الحزبي لتكون شاهداً على نجاحهم في تمرير نظام ديمقراطي لا شبهة فيه؟
هنا سيثور جدل آخر أي أن الطرف المعارض لأي حكومة إسلامية سواء من الليبراليين أو أصحاب الديانات والمذاهب الأخرى سيرى أن المسلمين أوصياء عليهم، وأنه من المستحيل تنازلهم عن أفكارهم ومصادرهم التشريعية التي ستقول إن الشريعة الإسلامية هي مصدر لأي نظام أو دستور أوقانون، ثم لا تستطيع أن تخفي الجانب الضاغط الآخر، ونعني به القوى الدولية التي قد يقبل بعضها بدولة إسلامية تسترشد النظام التركي، ولكن هذا البعض يخشى طوقاً إسلامياً متحالفاً يأخذ بمبادئ ونظريات القاعدة، وهنا فإن الجدل سيطول، ولعدم وجود تجارب ناجحة لدولة مدنية، فالاحتمالات تطرح أبعاداً غير متفائلة، وفي كلّ الأحوال فالزمن هو الذي سيقول كلمته الأخيرة..
التعليقات