عبد الرحمن الراشد


كصحافي أقدس حرية التعبير، ومن الطبيعي أن أكره أي نوع من أنواع التضييق والرقابة تحت أي ذريعة كانت، الوطنية أو الدين أو الطوارئ. رغم هذا الشعور العميق أجد نفسي متراجعا ومضطرا لقبول لجم الإعلام الطائفي، وتجريم التحريض المنتشر حديثا بين السنة والشيعة وكذلك بين المسلمين والأقباط، حيثما يوجد توتر سياسي وأمني يهدد المجتمع. في الظروف السياسية المستقرة الجدل الديني جزء من التعبير، لكن في زمن التوتر يصبح التنازع الديني الكلامي مدخلا للاقتتال، وهذا ما نراه في المنطقة.

في الكويت تسير الأمور باتجاه تجريم الطائفية، وقد أقر مجلس الوزراء عقوبات لمرتكبيها تصل إلى السجن سبع سنوات ومصادرة الوسائل الإعلامية المستخدمة من صحف ومحطات تلفزيون وإذاعة. قرار صريح بأسنان حادة. ونحن بدورنا سنطالع بعيون واسعة إن كانت السلطة التنفيذية قادرة حقا على تطبيق القانون الجديد مع تشككي في ذلك بسبب اتساع دائرة الاشتباك الطائفي في الكويت وأنحاء المنطقة.

أعرف أنها رقابة مقيتة، ومدخل خطير لتكميم حرية التعبير، إنما كيف يمكن وقف الحرب الآتية بين الشيعة والسنة والمعارك الأخرى بين أتباع المذاهب الإسلامية من إسماعيلية وعلوية ودروز ومتصوفة وبهائية أو بين المسيحيين والمسلمين. الحرب الطائفية موجودة بعنف في العراق، والآن في البحرين، وليس مستبعدا أن تنفجر في بقية الخليج واليمن، وتهدد سوريا ومصر. وبكل أسف فإن الإعلام القديم والحديث هو المؤجج لها، حيث يجد كثيرون متعة في إذكاء الجدل، وبعض الشيعة يجد سعادة في القدح في رموز السنة، وسنة يستهزئون بأئمة الشيعة وظهور المهدي.

هل يمكن احتواء المشكلة بعقوبات رسمية؟ وهل لدى الحكومات بالفعل العزيمة لسجن أئمة مساجد ومدرسي جامعات وكتاب صحف لأنهم يهاجمون الطوائف الأخرى؟ مهمة صعبة تحتاج إلى حزم وشجاعة، صفتان لا تتمتعان بهما الحكومات هذه الأيام. أتصور أن الحل العملي الذي يمكن أن ينجح في الحد من التحريض الطائفي ليس بالسجن وملاحقة الأفراد بل باستهداف وسائل الإعلام، لأن معظم المنخرطين في توظيف وحماية الطائفيين هم في الحقيقة المؤسسات الإعلامية والمتورطون في الاستثمار الطائفي. إن مصادرة وسائل الإعلام أكثر تأثيرا من سجن الإعلاميين والخطباء. لكن هنا، على الجهات القانونية أن تكون أكثر وضوحا في تفسير مفهوم التحريض الطائفي، لأنه إن كان شاملا سيكون ضربا من وسائل منع التعبير العامة، والصحافيون بطبعهم شكاكون في أن وراء هذا الهدف النبيل، أي منع الاقتتال الطائفي، يكمن هدف خبيث وهو الحد من حريات التعبير السياسية. لذا يفترض أن يقدَّم تفسير واضح بأن المقصود بالجريمة هي التسفيه من معتقدات الغير بشكل واضح والتحريض على أهل الطائفة الأخرى.

ولو نجحت الكويت في وضع مواصفات وتطبيقات ضد جريمة الفتنة الطائفية ستكون مرشدا لبقية دول المنطقة التي تجلس على حافة البركان الشيعي - السني، والمسلم - المسيحي، على اعتبار أن في الكويت مؤسسات قانونية غيورة على الحريات ومؤسسات إعلامية لن تسكت على إساءة استخدام هذا المفهوم الغامض لتكميمها.