عبدالرحمن الحبيب

كانت مقالتي يوم الاثنين الماضي مجرد خواطر رجوت أن تُؤخذ بعين الاعتبار عند النظر في أمر قيادة المرأة للسيارة في وطننا العزيز. وكان مما أشرت إليه أني لا أتناول الموضوع من وجهة نظر شرعية لعدم أهليتي لذلك. ومما قلته في تلك المقالة: إن بعض الداعين إلى السماح للمرأة بقيادة السيارة يذكرون نتائج إيجابية عن ذلك السماح، لكن ما يذكرونه من هذه النتائج لم يُبن على دراسات علمية.

صوَّت مجلس الشورى السعودي الأسبوع الماضي على توصية تقضي باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإشراك المرأة كناخبة خلال الانتخابات البلدية في السعودية. الموافقة جاءت بأغلبية 81 صوتاً مقابل 37 صوتاً أبدوا معارضتهم. هذه التوصية بالنسبة لقطاع من الناس أنا منهم هي خطوة إيجابية.

وبانتظار الخطوة التي تليها وهي أن تشترك المرأة كمرشحة أيضاً، فإن الخطوة تظل ناقصة. التوصية أتت بعد كثير من الآراء المؤيدة والمعارضة لمشاركة المرأة، وبعد كثرة من تصريحات مسؤولين بأن تأخر أو عدم مشاركة المرأة سببه تقني بحت، وأنه لا يوجد ما يمنع مشاركتها لا من الناحية النظامية ولا الشرعية، خاصة أن اللائحة النظامية واضحة في هذا الأمر بإعطاء المشاركة لكل مواطن، مما يعني لغة واصطلاحاً كل رجل وامرأة من المواطنين الذين يحق لهم المشاركة.

ثمة نقطة نظامية مهمة لم تتضح، وهي هل هذه التوصية بالموافقة كانت على توفير الإجراءات اللازمة لمشاركة المرأة أم الموافقة على مشاركة المرأة؟ الفارق كبير بينهما! فإذا كانت الأولى فهي خطوة إيجابية، إذ إنها تعني أن الجهات الممانعة بسبب عدم توفر التجهيزات المناسبة لمشاركة المرأة عليها أن توفرها إذا أخذ صاحب القرار بتوصية مجلس الشورى. أما إذا كانت التوصية هي بالموافقة على مشاركة المرأة، فبالأساس النظام منحها الموافقة ضمناً، أو على الأقل لم يمنعها، وهذا أصلاً ما جعل ناشطات حملة laquo;بلديraquo; يرفعن للمسؤولين ولديوان المظالم شكوى بعدم منطقية الاعتذار بنواقص تجهيزية في مراكز الاقتراع، خاصة أن هناك جهات بادرت إيجابياً وأعلنت جاهزيتها لمشاركة المرأة وفي مقدمتها أمانة منطقة الرياض، وهي فقط في انتظار المشرع.

أقول إذا كانت موافقة مجلس الشورى هي على مشاركة المرأة، فهي مسألة حقوقية خطيرة. فلو أن الأغلبية عارضت التوصية هل هذا سيعني مقدمة لحرمان مشاركة المرأة بالوقت الذي لم يحرمها النظام من ذلك، بل اعتبره ضمناً حق لكل مواطن رجلاً كان أو امرأة؟ هذا ينقلنا إلى سابقة حقوقية، وهي هل يتم التصويت على الحقوق؟ وهل من صلاحية الأغلبية أن تمنع حقاً طبيعياً من حقوق الأقلية، وهو في الوقت نفسه حق اختياري، أي ليس ملزماً للجميع، وهو في الوقت نفسه حق منحه النظام؟

القاعدة الشرعية المعروفة تقول: الأصل في المعاملات الإباحة؛ والقاعدة الحقوقية الحديثة تقول أن جميع المواطنين متساوون. وفيما عدا الحالات الاستثنائية المبررة، فإن الحقوق الطبيعية، وخاصة الاختيارية لا يصوت عليها، لأنه ببساطة من شاء فليأخذ بها ومن شاء فليرفضها.

فلو تخيلنا قبل قرار تعليم المرأة منذ عقود، أن أخذنا بالتصويت على تعليم البنات في المدارس النظامية، وكان أكثر من نصفهم - وهذا متوقع آنذاك - رفضوا القرار، هل نحرم البقية من تعليم بناتهم؟ هذا الحق الطبيعي الاختياري ينطبق أيضاً على بعض الحقوق مثل قيادة المرأة للسيارة، التي أوضح بعض كبار المسؤولين التنفيذيين بأنه لا مانع منها وأنهم بانتظار التشريعات التي تقنن ذلك، فيما قال كثيرون نرجع لرأي المجتمع واختار بعضهم التصويت، وهذا ما حدث في مواقع صحف محلية وكثير من مواقع الإنترنت. وتم أخذه في أذهان البعض كدليل قاطع وكقرار مشروع، أي تم أخذه كمرجعية تحدد قيادة أو عدم قيادة المرأة للسيارة، دون التفريق بين التصويت كاستفتاء والتصويت كاستطلاع.

هناك شيوع لمسألة الرجوع للتصويت في مواقع الإنترنت والفضائيات، إضافة لانتشار السلوك الانتخابي في العديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية. هذا بحد ذاته تطور حقوقي مفرح وعظيم الفائدة، لكن ثمة التباس بدأ يظهر هذه السنوات وهو عدم التفريق بين الاستفتاء والاستطلاع. فتجد كثيراً من الفضائيات ومواقع الإنترنت يسمونه استفتاء! ويأخذه الأغلبية حجة ضد الأقلية، ومبرراً لوجوب التزام الأقلية به، وكان يجب أن يطلق عليه استطلاع وليس استفتاء. الاستفتاء ملزم بينما الاستطلاع مؤشر نعرف به توجهات أفراد المجتمع في أية قضية من القضايا.

الاستفتاء يكون على القضايا التي يجبر كل الناس على الالتزام بها. مثلاً يمكن عمل استفتاء على بداية الدوام الصباحي الحكومي: الساعة السابعة والنصف أم الثامنة والنصف، أو على عطلة نهاية الأسبوع: الخميس والجمعة أم الجمعة والسبت، وهذا الأخير سبق أن عمله مجلس الشورى بطريقة سليمة حقوقياً. هنا لا بد أن نأخذ برأي الأغلبية وتلتزم به الأقلية لأن القرار سيلزم الجميع تطبيقه، وليس من شاء أخذ به ومن شاء تركه. لكن لا يمكن مثلاً أن نعمل استفتاء على حق المرأة في العمل أو التعليم لأنه غير ملزم للجميع بل هو اختياري وهو في الوقت نفسه حق طبيعي حتى لو كان لصوت واحد من ملايين المصوتين.

فكيف إذا كان المؤيدون لهذا الحق هم أقلية كبيرة؟ ففي موضوعنا توضح نتائج دراسة ضخمة على مستوى المملكة لمركز أسبار للدراسات والبحوث أن نسبة مرتفعة من أفراد عينة الاستطلاع laquo;لا يؤيدونraquo; مشاركة المرأة في التصويت في الانتخابات البلدية، حيث أشار إلى ذلك 58.9% من أفراد العينة، بينما بلغت نسبة الذين laquo;يؤيدون ذلكraquo; 19.9%، والذين laquo;يؤيدون ذلك إلى حدٍ ماraquo; 13%. وفي دراسة استطلاعية أخرى في خميس مشيط لوليد أبو ملحة أوضحت النتائج رفض 70% من المشاركين في الدراسة مشاركة المرأة في الانتخابات وأيد ذلك 30%. تلك أقليات كبيرة لا يمكن أن يقال لها سنرفض رغباتكم لأن الأغلبية لا تريد ذلك في مسألة هي أصلاً اختيارية وغير ملزمة لأحد.

هنا يأتي دور الوعي الحقوقي في التفريق بين خلافاتنا في قضايا قراراتها ملزمة لنا جميعاً وقضايا اختيارية. وهذه تتطلب تخفيف الحساسية المفرطة الناتجة من الشحن الإيديولوجي والتعبئة العامة لقضايا اختيارية. هذا الشحن أوصلنا إلى أن أموراً كانت تمارس بطبيعية في مجتمعنا منذ القدم وأموراً عادية مستجدة أصبحنا نناقشها بطريقة متوترة وكأنها قضايا مصيرية، فليس غريباً أن تشترك المرأة السعودية في الانتخابات بل هو المتوقع والطبيعي في ظل ما حققته من إنجازات وكفاءة عالية في شتى الميادين المحلية والدولية، الغريب هو أن نتقاذف الاتهامات عند خلافنا في هذا الموضوع، رغم إدراكنا أن الأطراف كافة تسعى لخير المجتمع والبلد.