خيرالله خيرالله


هناك نوعان من الأنظمة في الشرق الأوسط الممتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي. ثمة أنظمة تعتبر أن الاصلاحات ضرورة وأن لا مفرّ منها، بل هي قدر... وثمة أنظمة أخرى عاجزة عن القيام بأي نوع من الاصلاحات نظراً إلى أن تركيبتها لا يمكن أن تتقبل خطوة من هذا القبيل وأن تتكيف معها. هذا هو الواقع الذي لا يمكن لأي متابع لشؤون المنطقة تجاوزه بأي شكل من الأشكال. ولذلك، من الخطأ الرهان على أي إصلاح في سورية التي تمثل حالياً مجموعة من الأنظمة العاجزة عن الإصلاح والمقاومة له. النظام السوري غير قابل للإصلاح كون طبيعته ترفض الإصلاح وتلفظه. انه باختصار نظام مقاوم. انه مقاوم للإصلاح وليس لأي شيء آخر، وعدو شرس له. لذلك نجده يهرب باستمرار من ذلك. ساعة يهرب إلى الداخل فيلجأ إلى القمع. وعندما لا يجدي القمع الداخلي، يلجأ إلى الجولان فيرسل فلسطينيين مساكين من سكان مخيم اليرموك وغيره ويجبرهم على الانتحار برصاص إسرائيلي. من لديه أدنى شك في أن إسرائيل دولة إرهابية لن يرف لرئيس الوزراء فيها جفن عندما يمارس القتل، يستطيع العودة إلى ما حدث يوم الخامس من يونيو الجاري في الجولان.ما حدث كان جريمة بكل معنى الكلمة. كيف يمكن إرسال شبان فلسطينيين إلى أراض لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية من دون التفكير ولو لحظة بالعواقب، أم ان حياة هؤلاء الشبان لا قيمة لها؟
لماذا التضحية بارواح هؤلاء الشبان في وقت يعرف الطفل الصغير قبل الكبير أن لا نية لفتح جبهة الجولان وأن استشهاد هؤلاء برصاص الإسرائيلي لا يقدم ولا يؤخر، كما أنه لا يمكن أن يبعد الأنظار عن الداخل السوري وعما يدور هناك. كل أنظار العالم مركزة حالياً على الداخل السوري وعلى آلاف السوريين الذين هربوا من جسر الشغور ومعرة النعمان ومن بلدات ومدن ومناطق أخرى إلى تركيا. عاجلاً أم آجلاً، سنشهد مأساة تهجير أخرى في الشرق الأوسط ستكون لها عواقب وخيمة في ضوء عدم قدرة تركيا على الوقوف مكتوفة حيال أي تدهور في الداخل السوري مع وجود حدود طولها يزيد على ثمانمئة وخمسين كيلومترا بين البلدين. شيئاً فشيئاً يظهر أن تركيا لا يمكن إلاّ أن يكون لها موقف حيال ما يجري في سورية نظراً إلى أن أي انفلات في البلد الجار يؤثر على أمنها على نحو مباشر.
لو كان في الإمكان إصلاح النظام السوري، لما وجدناه يكرر الخطأ تلو الآخر في لبنان. مرة أخرى، هناك اعتقاد في دمشق بأن الظهور في مظهر من يمسك الوضع في لبنان يشكل مصدر قوة. لبنان ليس ورقة سورية. لبنان لا يمكن أن يستخدم غطاء لجعل الأنظار تتعامى عن الداخل السوري. الكلّ يعلم أن النظام السوري فرض تشكيل حكومة لبنانية من لون واحد، معظم وزرائها من الساقطين والفاشلين بكل المقاييس، وذلك كي يقول للعالم أنه لا يزال قوياً. منذ متى الانتصار على لبنان يشكل بديلاً من الانتصار على إسرائيل؟ والكل يعلم، باستثناء أدوات الأدوات من ازلام نائب كسروان السيد ميشال عون، أن السوري شكل الحكومة متكلاً على سلاح laquo;حزب اللهraquo; وهو لواء في laquo;الحرس الثوري الإيرانيraquo; ولا شيء غير ذلك. والكل يعلم أخيراً أن التحايل على أهل السنّة، عن طريق اعطائهم وزيراً إضافياً، لا ينطلي على أحد وان كلّ ما في الأمر أن laquo;حزب اللهraquo; يشعر بأنه قادر على التبرع بكل الوظائف والحقائب للطوائف الأخرى في ضوء قدرته على وضع يده على البلد كله. المشكلة في سلاح laquo;حزب اللهraquo; المذهبي الذي لا يخدم في نهاية المطاف سوى إثارة الغرائز المذهبية وليس في التبرع بحقيبة وزارية لهذا الطرف أو ذاك.
يبقى أن النظام السوري، ليس عاجزاً عن الإصلاحات فحسب، بل انه عاجز أيضاً عن التعلم من أخطاء الماضي أيضاً. ليس قادراً حتى على القيام بعملية نقد للذات تجعله يعيد النظر في حساباته. يمتلك هذا النظام ما يكفي من الشجاعة للتساؤل لماذا اضطر إلى سحب قواته من لبنان بالطريقة التي حصلت، ألم يكن من الأفضل له التعاطي مع موضوع التمديد للرئيس اللبناني اميل لحود بطريقة مختلفة في خريف العام 2004 خصوصاً بعد صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؟ لنفترض أن لا نية لدى النظام السوري في العودة إلى الماضي القريب والتعلم منه، هل يستطيع استيعاب أنه كان قادراً في العام 2004 على تشكيل الحكومة اللبنانية التي يشاء بقواه الذاتية وأنه صار في العام 2011 مضطراً إلى الاستعانة بسلاح laquo;حزب اللهraquo; لاخضاع أحرار لبنان من شيعة وسنة ودروز ومسيحيين من كل الطوائف والمذاهب والمناطق يشكلون أكثرية حقيقية لا ترى في ميشال عون غير دمية متحركة في أحسن الأحوال؟
إذا كانت لدى النظام السوري عقدة الاردن حيث يطرح الملك عبدالله الثاني اسئلة تتعلق بكيفية احياء الحياة الحزبية الحقيقية، يستطيع النظر إلى بعيد قليلاً، أي إلى المغرب. في المغرب إصلاحات حقيقية تأخذ في الاعتبار تطلعات الشعب في هذه المرحلة وتركيز على صياغة دستور جديد أعلن عنه الملك وسيطرح على استفتاء شعبي يوم أول يوليو المقبل.
إذا كان الأنظمة الملكية تثير حساسيات الأنظمة laquo;البعثيةraquo; - العائلية أو العائلية - laquo;البعثيةraquo; لا فارق، لماذا لا استفادة مما تشهده تركيا من تحولات في العمق جعلتها قادرة على تقديم نفسها كدولة ديموقراطية مقبولة من المجتمع الدولي وموضع احترامه؟ قد تكون كل هذه الأسئلة في غير محلها. هناك من يعتقد أن الاصلاحات رضوخ للإرادة الشعبية وان أي رضوخ للإرادة الشعبية معروف كيف يبدأ وليس معروفاً كيف يمكن أن ينتهي. ربما الأصح القول أن مجرد الرضوخ للإرادة الشعبية بداية النهاية لأنظمة معيّنة وأن هذه النهاية باتت معروفة أكثر من اللزوم!