محسن الهاجري

في القصة المعروفة لدى الكثيرين والتي تصف حال آخر ملوك غرناطة - آخر الممالك الإسلامية وقوعا في أيدي الصليبيين - حيث يحكي أنه وبعد أن انهارت تلك المملكة الأخيرة من ممالك المسلمين في الأندلس كان آخر العهد بملكها quot; أبو عبد الله الصغير quot; أن وقف بسفح جبل الريحان حيث سلم فرديناند وإيزابيلا - ملك ليون وملكة قشتالة - مفاتيح المدينة وجلس يبكي على ملكه الضائع، هنا قالت له أمه عائشة الحرة المقولة الشهيرة: ابك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال.
لا أعلم تماما هل يعي كل الحكام العرب بل والعرب والمسلمون أنفسهم تلك الدروس المستفادة من مثل هذا التراث الضخم في التاريخ العربي والإسلامي، إنها دروس مجانية في السياسة وفنون القيادة والإدارة والاقتصاد بل وفي كل مجالات الحياة، حينما نهتم بالقشور ونضيع جواهر الأمور، حينما نهتم بالسخافة ونضيع الثقافة، حينما نهتم بالاستيراد ونضيع التصدير، حينما نهتم بالمرأة ونضيع الأجيال، حينما نهتم بالمباني ونضيع الإنسان، حينما نهتم بالدنيا ونضيع الآخرة، حينما نهتم بالناس ونهمل شرع وأوامر وتعاليم رب الناس.. إله الناس.
هل نعي تلك الدروس حقا أم أننا نحتاج إلى وقفة قريبة فوق سفح جبل ما أو برج ما نبكي على أطلال حضارة ضيعناها من أجل مدنية استوردناها، ونبكي على أطلال ثقافة وفكر ضيعناهما من أجل ضحالة فكر ورداءة أخلاق، ونبكي على دين وشرع هجرناه من أجل قوانين بشرية وضعية ووضيعة وتافهة.
إن من يشاهد الموقف في بعض الدول العربية والإسلامية ليجد أنه أمام الكثير من الممالك التي أوشكت على الوقوع والسقوط في أيدي أعدائها، ولا أزعم بأننا أمام استعمار آخر قريب، ولكنه في أبسط تعريفاته هزيمة جديدة تدخلنا في مزيد من الخسائر في الأموال والأنفس والثروات.. ناهيك عن الرقعة الجغرافية التي أصبحت آخر اهتماماتنا بمجرد أن أعطينا عدونا quot; إسرائيل quot; جزءا مهما من أرضنا، وأخذنا نتفاوض معها بعجز وضعف وذلة، فما أتعسها من قيادة تتفاوض في شأن ذبح شعبها وارتكاب المزيد من المجازر ضده، وما أتعسها من قيادة تفرط بالأرض والعرض من أجل حفنة دولارات ومن أجل سلطة ومنصب، وما أتعسها من قيادة تعطي الشريف أسمى القلائد بعد ارتكابه أكبر السرقات وتعطي الضعيف أشد العقوبات بعد محاولته quot;أكل لقمة عيش حلالquot;.
إن من يشاهد حاكما كالقذافي مثلا، يعرف مدى رداءة أوضاعنا بأن يتحكم طاغية مجنون معتوه في مصير الملايين من إخواننا العرب والمسلمين، ومن يشاهد حكاما كبشار الأسد وعلي عبد الله صالح مثلا، يعرف مدى رداءة أوضاعنا بأن يتحكم طغاة مجرمون يلبسون أجمل البدلات ويتحدثون بأجمل العبارات، في حين أنهم يرتكبون أقذر وأبشع الجرائم مع شعوبهم، ويتفوهون بأكبر الأكاذيب وأعظم الأباطيل وهم يقلبون الحقائق ويزيفون الأوضاع.
إننا فعلا أمام أزمة حقيقة في كل شيء، فنحن أمام أعداء متربصين عن اليمين وعن الشمال بل ومن فوقنا ومن تحت أرجلنا، ففي الوقت الذي يهتم فيه بعض حكامنا بكراسيهم ومناصبهم، ونشأة أولادهم وترعرهم ونماء ثروتهم وأملاكهم بل وهواياتهم، يهتم فيه آخرون قريبون جدا محيطون بنا، بأطماع أخرى تستهدف الأرض والعرض والمال والأنفس والثمرات.. بل وكل الخيرات، ولا يحتاج الأمر لخبير سياسي أو إستراتيجي لكي يفهم الحكام والدول مجتمعة بأنهم أمام أعداء ظاهرين كإسرائيل وآخرين متخفين يريدون النيل منا والفتك بنا في أي لحظة، وأمام أصدقاء كذلك لا يهمهم إلا مصلحتهم وأمنهم القومي كالولايات المتحدة الأمريكية التي أظهرت الوثائق المسربة منذ مدة طويلة بأنها لا تمانع أبداً في أن تعطي الضوء الأخضر لإيران من أجل أن تستحوذ على الجزء الشرقي من الخليج العربي ndash; وليس الفارسي ndash; في مقابل أن تطمئن إيران الغرب والولايات المتحدة فتوقف برنامجها النووي المقلق للغرب ولأمريكا، فجميعهم من حولنا يجتمعون فيتآمرون ويتفقون فيخططون وينفذون.. بينما بعض حكامنا ما زالوا يجمعون الثروات في الوقت الذي تعاني فيه أوطانهم تخلفا وبؤسا لا مثيل لهما وتعاني فيه شعوبهم فقرا ورداءة أوضاع، ويتفشى فيهم الجهل والانحطاط والفساد.. فمتى نستيقظ جميعا من هذه الغفلة؟.. قبل أن نبكي جميعا على الأطلال !!.