عدنان سليم أبو هليل

قرار فصل محمد دحلان من عضوية اللجنة المركزية في حركة فتح الفلسطينية في المحصلة هو قرار تنظيمي فتحوي داخلي والخلاف عليه في المفترض هو أيضا فتحوي داخلي، وفي المفترض أيضا أنه لا يكون موضع اهتمام عام لا داخل فلسطين ولا خارجها لولا تعلقه بحركة فتح الحاكمة في الضفة، وتعلقه بشخصية إشكالية كشخصية محمد دحلان، ولولا المبررات والمسببات التي ذكرت مع القرار والتي تتعلق بداخل فتح وبخارجها.. ولولا أن الخلافات حول كل ذلك وصلت حد رفع السلاح بين المؤيدين والمعارضين للقرار كما حدث في بيت أبو سمهدانة قبل يومين..
أظن أنه لو فصل أبو ماهر غنيم أو أحمد قريع أو أحمد عبد الرحمن أو نبيل شعث أو نبيل عمرو.. إلى آخر هذه الأسماء التاريخية ما كان الاهتمام والاستقطاب حول أمرهم وفصلهم بحجم ما هو ماثل في قضية دحلان ! فمن هو دحلان ؟ ومن أين حصل على كل هذا الوزن والقوة داخل فتح مع حداثة سنه ؟ ولماذا تتعثر حركة فتح كل هذا التعثر في قرار يفترض أنه أكثر بساطة من كل ما يرى عليه ؟ وأقول:
أولا: أما من أين حصل دحلان على كل هذا الامتداد داخل فتح فإن الكلام يطول حول ما يملك من تمويل وكيف يتصرف فيه وعن ارتباطه بعرفات شخصيا وكيف استثمر هو كل ذلك في بناء الولاءات له شخصيا.. ولكن الذي لا يجوز أن يفوتنا هو أمران اثنان تداخلا في خدمة هذه الشخصية الإشكالية وفي مدها في أوصال التنظيم.. الأول قيادته لجهاز الأمن الوقائي في غزة الذي كان العنوان الأبرز لتنظيم الداخل وفق الوظيفة المحددة له في الاتفاقات والتنسيقات مع العدو، والثاني: قيامه بالمهمة وأداؤه المتميز فيها الذي شكل انعطافة في التربية والقيم المعنوية والأخلاقية للجيل الجديد في فتح.. ذلك أرضى عنه الصهاينة والأمريكان ونظما عربية أخرى في ذات الجوقة ورفع مستوى احتياج عرفات له وتقريبه إياه.. (وعرفات كما هو معلوم لم يكن يفرط في أحد مهما كان خلافه معه أو رأيه فيه بدليل أنه حذر كثيرا من دحلان ولكنه حتى آخر لحظة لم يفرط فيه ولم يفصله كما فعل عباس).. السؤال هنا: بم استطاع دحلان استقطاب أو اصطياد جمهرة شباب فتح لجهازه وأيديولوجيته؟ هنا الحديث يأخذ مدى في طبيعة فتح وحصانتها الفكرية التي تترك مساحة واسعة جدا للأفكار والمصالح من الشخصية إلى الحزبية ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومن الأقرب للاحتلال إلى الأبعد عنه.. لكن شيئا كان الأكثر حسما في هذا الاستقطاب هو مميزات جهاز الأمن الوقائي المالية والسيادية وتداخله على كل المؤسسات والتعيينات وما ينتج عن كل ذلك من قوة على الأرض ومن جاه وتسلط..
ثانيا: وأما لماذا تتعثر حركة فتح كل هذا التعثر في قرار فصل دحلان الذي يفترض أن فصله أكثر بساطة مما يرى عليه ؟ فالسبب في نظري فوق أن للرجل ndash; دحلان ndash; مكانته وامتداده والمتضررون من طرده، فوق هذا هو أن الحركة باتت تعاني من علل صارت للأسف مستحكمة وهي تتثبت وتتوطد ولا تزال تعصف بالحركة ويجب على جهة أو أحد ما أن يتصرف حيالها.. وربما هذا هو الأهم من قضية دحلان التي هي عابرة مهما توسعت وكثر اللغط حولها.. ومن ذلك:
1-عندما انطلقت حركة فتح نأت بنفسها عن كل الأحزاب من قومية أو إسلامية أو أيديولوجية وبصرف النظر عن مدى صوابية هذه السياسة إلا أنه أنتجت في المحصلة تنظيما له فرزه وهويته وتقاطعاته مع الاتجاهات التي ليس بالضرورة أن توافقه أو يوافقها على كل شيء لكننا اليوم نراه تداخلا لفتح على الحزبية وولوجا لها من أوسع أبوابها بل من أنتن أبوابها ما يعتبر انقلابا على الأصول وانقطاعا بين الأجيال غير مبرر بل وغير ممنهج وبالتأكيد هو يشكل سببا وجيها لعدم إحساس الأجيال الفتحوية بدف الارتباط وخصوصية التوارث وبالتالي اختلاف زوايا النظر في كل المعطيات والتحديات ! فكم سمعنا متحدثي فتح quot;حدثاءquot; الأسنان يتكلمون بلغة أيديولوجية انحيازية فئوية عندما يتعلق الأمر بحماس وصل إلى ترديد شعارات الطائفية والمذهبية واستغلال صلاة الجمعة وحشر المساجد والخطب والخطباء والحج في المعركة وكل ذلك خارج عن سلوك فتح ومناهجها ولا يصنف إلا غرقا في الحزبية وتوظيفا لها وترتيبا للاستعداءات والاستقطابات على أساسها..
2- منظمة فتح كسبت شرعيتها في سنوات الأوج من الثورة والوطنية في أعلى تمثلاتها.. وفي هذا السياق كسبت وصنعت شخصيات ومواقف ذات ثقل معنوي كانت الزاد الروحي والمعرفي الذي اعتاشت عليه لسنين طويلة وربما حتى الآن.. لكنها اليوم تقوم بالتنسيق الأمني مع العدو واستهداف وتتبع المقاومة، وقد تحول رموزها الثوريون إلى رموز لذلك التنسيق والتتبع، أما مشروع الثورة الوطنية فلم يعد يتقدم على المستوى العملي بل ولا على المستوى النظري.. أيضا مشكلتها مع حماس والجهاد وبالجملة مع المقاومة وتياراتها تسببت في تداعيات ومواقف قللت من وجاهتها كحركة وطنية وثورية..
3- يجب رصد متغيرين اثنين طرآ على الحركة بعد الراحل عرفات ndash; يرحمه الله تعالى - وعلى الإخوة في حركة فتح أن يقروا بهما من غير مجادلة فيهما ولا غفلة عنهما لأنه بدون ذلك ستتصاعد المشكلة حدة وتزداد النتائج مفاجأة، أول المتغيرين: أن فتح فقدت الرجل الذي كان يمثل الشخصية المحورية التي شكلت عبر تاريخ القضية الحديث الاستقطاب الأكبر والقدرة على لملمة الموقف الفلسطيني في أسوأ الظروف، والثاني: أن الذين قاموا مكانه كان من الواضح أنهم لم يؤهلوا لقيادة إستراتيجية لشعب عركته التجارب وأنضجته الأحداث ولمواجهة احتلال هو أبشع أنواع الاحتلال الإحلالي التصفوي العنصري.. جاءت هذه القيادة بلا مؤهلات كثيرة ولا مميزات تفضيلية وبعضهم انبعث من موات ولولا غياب عرفات ما كانوا في عير ولا في نفير.. فجأة وجد هؤلاء أنفسهم في منافسة على شغل المنصب الإستراتيجي وملء الفراغ الدستوري أو قريبا منه !!
4- حركة فتح امتلكت التفوق العام على كل الحركات والمنظمات من يسارية وغيرها في ظل عدم وجود المنافس الحقيقي وفي ظل وجود رهانات كانت لا تزال لم تستنفذ (السلام، والثورة، والتمثيل الرسمي غير المختلف عليه..) وفي ظل وجود مؤسسات تنظيمية فاعلة.. لكنها اليوم وبعد وجود التيار الإسلامي ومنافساته الجدية ونجاحاته النوعية وفي ظل عملية تسوية فاشلة وفي ظل تحقيرها الرسمي ومجادلاتها الكثيرة لإدانة المقاومة وفي ظل تعطل مؤسساتها لصالح مؤسسات السلطة.. كل ذلك أفقدها ميزة التفوق وربما جعلها في ترتيب بعيد عن المقدمة لصالح تنظيمات أقل امتدادا وأقصر عمرا..
آخر القول: الحقيقة التي تؤشر عليها هذه القضية أن فتح اليوم في حالة من التبدل تتجاوز دحلان كشخص كان فيها واللجنة المركزية كهيئة داخلها إلى أن تكون محاولة لحصاد سنوات من التبدل وسنوات من التربص وهو ما للأسف ليس لصالح المنهج أو الميثاق الذي انطلقت منه ولا الغاية التي كان يجب أن تنتهي إليها.. بالتأكيد لست في وارد التشكيك في غيرة أبناء فتح وزعمائها عليها.. ولكني في وارد القطع بأنني أمتلك نصحا أسديه لها وتوقعا لما هو أسوأ أخافه عليها..