محمود الفقي


رسائلكم على رأسي، وجُلُّها يبشر بالخير في إجماعه على إحياء الحياء والإنصاف والنخوة وضبط سلوك الإعلاميين والبعد عن شخصنة الأمور. لكن الغريب أن البعض يحاول إنشاء حزب باسم الرئيس السابق أو الدعوة إلى رجوعه وهذا غير مقبول. وعني فإني شديد النقد لعهد مبارك لكن ليس لدرجة التَّسَفُّل والنَّذَالة في نقده أو تحميله كل الأخطاء.

فليس المراد من السماء أن تسقط المطر ولكن المراد من الأرض أن تنبت حيث يسقط المطر. كان ابن عطاء الله يقصد بحكمته أن المتلقي هو الطرف الأهم، فلا يصح أن يكون سلبيا أو همجيا أو كسولا في تحصيل العلم وأدوات البصيرة، وإلا فاعتناقه الأمور على جهل يحيل الذهب في يديه صفيحا. الشعب المصري في عمومه شعب غير منتج وغير نشيط وغير منظم. هأنذا قد اخترت تعريف الكلمة بنفي ضدها على طريقة أرسطو حتى لا يشعر أحد بالإهانة!

سألني صديق عن موقف مبارك من محمد السيد سعيد وكيف وبخه مبارك فقلت:

كان سعيد من النوع العنيد المتعالي في غير غرور، أي كان عزيز النفس حساسا بإفراط ويومها قال لمبارك: أنقذ مصر بخطتي، وتكلم بصلف مع مبارك بلا قصد فغضب الأخير وقال له: ضعها في جيبك لكن ليس هذا هو المهم، المهم أن سعيد في سجنه وبعد أن تخلى عنه كثيرون تخيلوا من وقف بجانبه وقفة الفرسان؟!

كان الفارس الشهم رقيق المشاعر هو مكرم محمد أحمد الذي لا يعرف كثيرون قيمته. ذهب مكرم بدون علم السلطات إلى السجن وتوسل إلى مأمور القسم أن يدخله إلى سعيد في زنزانته، وكان سعيد عليلا، وما إن دخل مكرم واحتضن أخاه والدمع يسيل من عينيه إلا وخلع سترته وجلس بجانبه يصرخ: لن أترك الزنزانة إلا ويدي في يد سعيد، وهو ما حدث بفضل مكرم!

رأيت ما خلع قلبي في نقابة الصحفيين وجمع غفير يتناوبون شتمه والتحرش به وفجأة سارع أحدهم بدفعه من كتفه وضربه بطريقة مهينة! نفس الشيء حدث لأساتذة كبار في جامعات بعرض المحروسة وطولها من تلامذة حلت بهم روح الثورة هم وكثير من الأهالي الهمج الرعاع الذين هبوا إلى السجون ليخلصوا ذويهم ويهدموا مراكز الشرطة ويقتلوا بعض الضباط ويسرقوا ما وجدوه باعتراف العيسوي الذي برأ العادلي لكننا لا نسمع إلا صوت أنفسنا.

وعن مكرم مرة أخرى أقول: كان ذنبه أن كتب quot;مبارك والمثقفونquot; ولم يدر كثيرون أن نجيب محفوظ نفسه كان بنص كلامه يجل مبارك إجلالا شديدا ويحبه كثيرا. والأخ المناضل إبراهيم عيسى له في يوتيوب فيديو يتيه فيه حبا وإجلالا لمبارك! كما قد بكى الممثل القدير عمار الشريعي وركب قطار الثورة وطفق يشتم الرئيس وزوجه وهو الذي لعب دور جاهين هذا العصر فكانت كل الأغاني التي تشدو بالرئيس من ألحانه!

لقد كان من أخطاء مبارك الفاحشة أن هيأ الجو لرأسمالية مصرية متطفلة أعطاها كل شيء بذريعة فتح الأبواب أمام القطاع الخاص والتنمية، وكان من أكبر المستفيدين نجيب ساويرس العمود الفقري ماديا للكنيسة الأرثوذوكسية، والأخطبوط الذي يتحكم في الإعلام المصري في غير سابقة في تاريخ مصر، والصنم الذي يوظف المئات لتحريم نقده في وسائل الإعلام، والماكينة التي تدفع الملايين للأنشطة التنصيرية حسب مصادري. كتب محمود السعدني ضد ساويرس في مجلة المصور وجُمعت مقالاته في كتاب quot;على باب اللهquot; وكان كلامه عن ساويرس في أكثر من مقال بداية من صفحة 12 فهلا قرأتموه لتعرفوا أن الانتفاضة المصرية تلخيصها كما قلت لكم :quot;شالوا ألدو وحطوا شاهينquot;، سيما وقد وصف السعدني ساويرس بالهباش ودراكيولا مصاص دماء المصريين!

نائب رئيس محكمة النقض في القاهرة اليوم ألقى تهما وشبها حول النائبين العموميين الأسبقين وأنا بدوري أسأل من عين النائب الحالي، ولماذا عرضت قضايا مشابهة عليه قبل الثورة فحفظها ولم يحفظها الآن، ولماذا كانت القضايا التي فتك بها النظام بمعارضيه تسير إجراءاتها في لمح البصر، وبلا أي اعتراض عكس هذا البطء الحالي؟!

قال المستشار الخضيري إن 300 من القضاة على الأقل فاسدون لماذا لم يأخذ هذا التصريح حقه من التعليق أو تصريح سامي الشريف رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون السابق أن الفضائيات الخاصة بعضها أنشيء بالأساس بغرض غسيل الأموال وكانت علاقته وثيقة بالنظام السابق.

لم يكن جديدا أن يكذب محمد حسنين هيكل وأن يحول الأمر إلى مغنم شخصي ويعطي متنفسا لحقده على مبارك لكن الكارثة أن المصريين لا يعرفون إلى الآن أن هذه الثورة إثمها أكبر من نفعها.

أقول مرارا وتكرارا: لا حل إلا بالمصالحة الوطنية الشاملة لأن الكل آثم، فخذوا ثورتكم ومعها الثورية المناضلة هالة سرحان بحُلتها العسكرية هنيئا لكم ولكن أرجوكم أتوسل إليكم أعيدوا إلي بلادي!