عدنان فرزات

الذي أسقط الزعماء في الثورات العربية هم المشاكسون وليس المعارضين..
والمشاكسون هم ثلة من laquo;الصعاليك الأحرارraquo; الذين يجوبون صحارى مواقع التواصل الاجتماعي بخيول سخريتهم العارية إلا من نكتة مُرة، تبكيك إنسانيتها بقدر ما تضحكك. ولها رهافة وبريق سيف تحت شمس الحقيقة.
هؤلاء المشاكسون، يختلفون عن المعارضة بأشياء كثيرة، أولها خفة الدم، فالمشاكس منهم يعطيك بسطر واحد ما يثرثر به معارض لساعات على شاشات التلفزة، من دون أن تعرف منه موقفاً محدداً سوى ثلاث عبارات لها المعنى نفسه: laquo;الديكتاتور، والطاغية والشموليraquo; ـ الشمولي هذه من عندي ـ. وأيضاً فهؤلاء السابحون في ملكوت الانترنت، لا يسعون الى مناصب، كونهم مجهولين لا أحد يعرفهم، والمساكين بإمكان أي أحد أن يصادر عبارتهم وينسبها إلى نفسه، ولو وقف الأمر عند العبارات فالأمر بسيط، فبعد نجاح كل ثورات يجدون أنفسهم على هامش القضية، هذا إذا لم يعتبروهم مهرجي الثورة!
لقد حوّل المشاكسون laquo;الربيع العربيraquo; الى مسرحية كوميدية خارجة على النص، ومارقة على الرقابة ولا سقف لحدود تهكمها، بينما حوّل المعارضون الثورات إلى نكد وغم وحزن وألم وأسى. والمفارقة أن الأولى أتت بنتيجة أفضل من الثانية.
يحب كثير من الناس أن يتابعوا أخبار الثورات عبر هؤلاء المشاكسين، لأن قفشاتهم تجعل الثورة محببة وترتدي ثوباً انسانياً وشاحناً ومحرضاً على شكل حراك سلمي ومدني، بينما عندما تتابع أخبار الثورات على لسان المعارضين تشعر أنك في ساحة الوغى تجهز راحلتك بالعتاد، لتكر على الكفار!
لا أدري إن كان في التاريخ العربي laquo;حراك ساخرraquo; بهذا الحجم الذي شهدته اليوم معظم البلاد العربية، ولكن هناك العديد من النكات وصلتنا من التاريخ العربي مثل مقولة سعد زغلول الشهيرة لزوجته ذات إحباط: laquo;غطيني يا صفية مفيش فايدةraquo;، أو ما كان يتم ترديده في الانقلابات التي كانت تحصل في سوريا خلال الأربعينات وما تلاها، كالعبارة الشهيرة التي كان يهتف بها الشعب ضد الرئيس الحموي أديب الشيشكلي كناية عن قرب موعد سقوطه: laquo;آخر أيامك يا مشمشraquo;، كون حماة تشتهر بالمشمش. والمفارقة أن عدوى السخرية اليوم، انتقلت أيضاً إلى أجهزة الإعلام الرسمية لبعض الأنظمة التي حصلت فيها الثورات، وصارت هي أيضاً laquo;تنكتraquo; مثل المشاكسين، ولكن للأمانة نكاتهم بايخة ولزجة ودمها ثقيل كمن يسكب على جسمك القَطَر، وأنت ترتدي كنزة صوفية في الحر!. وبعض الناطقين الرسميين، تصريحاتهم أيضاً نكتة: لذلك فبعض الأنظمة محظوظة بمعارضيها، ومنحوسة بالناطقين باسمها.
أظن أن الأنظمة التي تعرضت إلى ثورات، تنزعج من المشاكسين أكثر من المعارضين، لأنها في الحالة الثانية، تستطيع أن تطوي قسماً كبيراً من هؤلاء تحت جناحها، ثم تجمعهم في قاعة وlaquo;تطقraquo; عليهم laquo;كم فلاش إعلاميraquo;، وبعد ذلك كل واحد يروح على بيته أو.. بيت خالته!