عبدالعزيز المقالح

كان الإسراع في فتح معبر رفح أمام الأشقاء الفلسطينيين في غزة المحاصرة منذ أربع سنوات في مقدمة تجليات الثورة العربية الشبابية في مصر، وبفضل ذلك القرار الحكيم رد النظام الجديد في مصر على كثير من التساؤلات التي كانت تدور في الأقطار العربية الأخرى عن التوجهات الجديدة لهذا النظام وعلاقته بالقضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي كانت منذ ثلاثينات القرن العشرين الشغل الشاغل للقيادات السياسية الوطنية في مصر العربية، نظراً لما كانت ولا تزال تبيّته الحركة الصهيونية لهذا البلد الكبير والذي يشكل العمق الاستراتيجي للأمة العربية عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، وثقافياً من مؤامرات .


وبالقدر نفسه التي كانت مصر - لاسيما في عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر - تولي القضية الفلسطينية اهتمامها الكامل كانت تحمي نفسها أيضاً من هذا الخطر الذي يتمدد بالقرب منها . وبrdquo;شعار من الفرات إلى النيلrdquo; وهو شعار سياسي صهيوني حقيقي لا إعلامي ولا فزاعة تخويف وما هو إلا واحد من الأسباب التي كانت ولا تزال تؤرق وجدان مصر الوطني والشعبي . وقد أثبتت القيادات السياسية في مصر العربية عبر العقود الماضية باستثناء الفترة الأخيرة من مرحلة السادات ومرحلة مبارك كلها، أن مصر لا تدافع عن القضية الفلسطينية فحسب، وإنما تدافع عن كيانها وعن حاضرها ومستقبلها، وأي قطر عربي، بما في ذلك الأقطار العربية البعيدة جغرافياً عن الكيان الصهيوني، لا يولي اهتماماً بهذا الخطر فإنما يقامر بمستقبل وطنه وأبناء وطنه .


وما يؤسف له أنه بعد إعلان فتح ممر رفح الذي يعيد إلى غزة وأهلها إمكانية التنفس والبقاء، تأتي الأنباء المتضاربة عن الفتح والإغلاق وعن الشروط التي تعيد إلى الأذهان وإلى الواقع ما كان سارياً قبل ثورة مصر الأخيرة وإعلانها العودة إلى زمن السيادة واستقلال القرار، ورفض رهن مصر أو بيعها بالتقسيط مهما كان الثمن وكانت الوعود . فالشعوب لا تباع ولا تغريها الوعود، ومصر العظيمة، مصر الكنانة لا تقبل تحت كل الظروف أن تكون خاضعة لوصاية من أي طرف دولي كان، وفتح معبر رفح لن يكون موضع مساومة من أي نوع، وكما هو نافذة اقتصادية وعلمية، لأشقاء بلغ بهم الضرر حداً لا يطاق فهو رمز لسيادة أبناء مصر وتأكيد نفوذهم على جزء من أرضهم التي استباحها العدو لسنوات .


لقد كان مشهداً رائعاً ذلك الذي رافق فتح معبر رفح، وما تخلله من إعلان رسمي وشعبي بأن الافتتاح سيكون بشكل دائم وما أحدثه ذلك الإعلان من معنى كبير في نفوس الملايين من أبناء الأمة العربية الذين كان قد ساءهم وآلمهم أن يسهم نظام عربي في حصار جزء من أبناء أمته تحت ذرائع واهية، وأوهام صنعها العدو ليتمكن من الانفراد بمن حافظوا على بعض من البقية الباقية من أرض فلسطين التي استباحها العدو وأطبق عليها بقوة الحديد والنار وبمساعدة أمريكية أوروبية، تخلت معها دول هذه المنظومة عن القيم والمبادئ وحق تقرير المصير الذي كفله القانون الدولي وقامت للحفاظ عليها ورعايتها منظمة الأمم المتحدة . ويبقى الأمر الآن وبعد الآن معلقاً بضمير مصر الجديدة وثورتها الشبابية تجاه المعبر وما لقيته وتلقاه غزة، أطفالها ونساؤها وشيوخها، من شر عظيم .