Sami Moubayed -Asia Times


ما يحدث في دمشق يترك تأثيرا كبيراً في الوضع في بغداد، ومن المحتمل أن تنتقل التظاهرات الشعبية في الشارع التي بدأت في سورية في شهر مارس إلى العراق، وكذلك عملية تبني الديمقراطية والإصلاح، التي ما زال العراقيون يتوقون إليها منذ سقوط نظام صدام حسين قبل ثماني سنوات.
لأسباب متنوعة ومتداخلة، يُعتبر الوضع في سورية خطيراً جداً بالنسبة إلى العراقيين على جميع مستويات الحياة السياسية.
في المقام الأول، يسكن حوالي مليون عراقي في سورية راهناً، وكان جميعهم قد هربوا من الاضطرابات السائدة في بلدهم في عام 2003، ويشعر هؤلاء بالقلق من أن يضطروا إلى العودة إلى ديارهم- حيث ينتظرهم مستقبل غامضndash; في حال انهيار الوضع الأمني في سورية أو في حال أصبحت الدولة عاجزة عن استضافتهم.
سيجد البلد الذي يواجه الآن مشكلة اللاجئين على حدوده مع تركيا صعوبة في استقبال لاجئين آخرين على أرضه، ولا سيما إذا كانوا لاجئين عراقيين.
يشعر العراقيون المسيحيون في سورية بالخوف من الخطاب الطائفي الذي تروّج له الجماعات المتطرفة داخل سورية، فهم هربوا من بلدهم لأن الجماعات الإسلامية المتطرفة كانت تستهدفهم، وهم يشعرون بالقلق الآن من تكرار السيناريو نفسه في سورية.
كذلك، يشعر مناصرو حزب البعث العراقيون بالقلق بشأن موقع حزب البعث في سورية، فنزل المتظاهرون إلى الشوارع في أنحاء المناطق السورية الريفية، وفي عدد من البلدات الداخلية، للمطالبة بإنهاء حكم الحزب الواحد وإلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري كونها تعتبر حزب البعث ldquo;على رأس الدولة والمجتمعrdquo;.
لا يزال أنصار حزب البعث العراقيون ملتزمين بشدة بحكم حزب البعث، وهم يشعرون بالرعب من فكرة أن ينتهي تفوق حزبهم قريباً في بلد شهد ولادة عقيدتهم في عام 1947. لقد رحبّت بهم سورية بحرارة في عام 2003، لكن لن يكون الوضع مماثلاً بالضرورة في بلد سيفقد فيه حزب البعث سيطرته.
يشعر الشيعة العراقيون المتشددون بالقلق بدورهم لدى مشاهدة التظاهرات التي تعمّ الشوارع السورية باعتبارها جزءاً من ldquo;المؤامرةrdquo; الغربية الرامية إلى معاقبة سورية بسبب تحالفها مع إيران وrdquo;حزب اللهrdquo; في لبنان. هم قلقون بشدة من انهيار النظام في سورية أو تطبيق إصلاحات واسعة النطاق، إذ سيؤدي ذلك إلى انهيار بطيء للتحالف الثلاثي، بين سورية وإيران وrdquo;حزب اللهrdquo;، بعد أن سيطر على العالم العربي طوال أكثر من 10 سنوات.
كان ذلك التحالف مصدر إلهام بالنسبة إلى الجماعات العراقية المتطرفة مثل جيش المهدي، علماً أن زعيمه مقتدى الصدر لطالما اعتبر أمين عام ldquo;حزب اللهrdquo;، حسن نصرالله، قدوة له في القيادة والإرشاد، فكان يتمتع بعلاقات ممتازة مع السوريين. تخشى تلك الأطراف أن يؤدي نشوء جماعات سنية متطرفة داخل سورية، مثل جماعة الإخوان المسلمين الخارجة على القانون، إلى إعاقة ما كان القادة يصفونه بمشروع ldquo;الهلال الشيعيrdquo; الذي يربط بين إيران وسورية ولبنان والعراق.
يقوم الإخوان المسلمون من جهتهم بالتنسيق مع الغرب حول كيفية إنهاء النفوذ الإيراني في العالم العربي، وذلك عبر إقامة تحالف مع رئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان. بحسب رأيهم، هذا ما دفع أردوغان إلى بدء الحوار مع حماس في فلسطين في عام 2004، أي بهدف مواجهة نفوذ ldquo;حزب اللهrdquo; من جانب المسلمين السُّنة حول العالم.
في حال تمكين الإخوان المسلمين وفق سيناريو معيّن في سورية، سيكون لهذا الأمر وقع فوري في العراق، وتحديداً في أوساط الأطراف المتحالفة مع الجماعات الإسلامية السنية مثل جبهة التوافق العراقية والحزب الإسلامي العراقي، كونهما يشكلان الفرع العراقي لجماعة الإخوان.
تسود هذه المخاوف أيضاً في أوساط جيش المهدي، والمجلس الإسلامي العراقي الأعلى، وحتى كبار الشخصيات الشيعية مثل رئيس الحكومة السابق ابراهيم الجعفري وخلفه نوري المالكي. فضلاً عن ذلك، وجّه القرار الظني في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، أصابع الاتهام إلى أربعة أعضاء من حزب الله، ويُعتبر هذا التطور ضربة قاسية في وجه إيران وحلفائها على الساحة العراقية وفي أنحاء العالم العربي.
كذلك، يراقب الأكراد العراقيون ما يحصل في سورية باهتمام كبير. فمن المعروف أن كبار قادتهم مقربّون من الأكراد السوريين، وتحديداً الرئيس جلال طالباني ورئيس كردستان العراق مسعود البرزاني كونهما أمضيا فترة طويلة في المنفى السوري خلال عهد صدام حسين.
في مرحلة سابقة من الأزمة، كان الأكراد السوريون يشعرون بالاطمئنان بفضل سلسلة من التدابير التي وعد بها النظام وشملت منح الجنسية إلى 200 ألف كردي تقريباً (وهو مطلب رئيسي منذ عام 1962) والاحتفال بعيد نوروز الكردي للمرة الأولى منذ عقود.
لكن على الرغم من إقرار تلك التدابير، شاركت المقاطعات الكردية في شرق سورية في التظاهرات المعادية للنظام، فطالبت بالتغيير السياسي والاقتصادي، وادعت أن مطلبها الأخير هو إرساء الديمقراطية بدل الحصول على الجنسية. حتى هذه اللحظة، لم يُسجَّل سقوط أي ضحايا ضمن المجتمع الكردي على الرغم من تصاعد عدد المتظاهرين الأكراد المشاركين في احتجاجات أيام الجمعة.
إذا تغيّر هذا الوضع لأي سبب من الأسباب، فقد تحصل مواجهة دموية بينهم وبين النظام، كما حدث في عام 2004. كذلك، ثمة 12 حزباً سياسياً كردياً غير مرخّص في سورية، وقد دُعيت تلك الأحزاب حديثاً إلى اجتماع مع الرئيس بشار الأسد.
لكن لم يتمّ ذلك الاجتماع، وتشعر تلك الأحزاب بالقلق لأن السلطات لم تتصل بها في بداية الأزمة، مع أنها كانت مسؤولة عن تهدئة الشارع الكردي في عام 2004. تترقب هذه الأطراف الآن نشوء قانون جديد خاص بالأحزاب السياسية، يتم العمل عليه في سورية راهناً، وينتظر الأعضاء أن يعرفوا ما إذا كانت أحزابهم ستحصل على التراخيص في سورية التي تحترم مبدأ التعددية بعد أن كان النظام يلاحقها طوال سنوات.
إذا لم يحصل ذلك- سواء لأسباب سياسية أو لعدم تماشي تلك الأحزاب مع المستلزمات القانونية- من المتوقع أن تزيد الاضطرابات في المقاطعات الكردية ويمكن أن تصل إلى العراق. يجب أن تتمثل تلك الأحزاب أيضاً بالحوار الوطني المقبل الذين سيبدأ في دمشق، في 10 يوليو، بزعامة نائب الرئيس فاروق الشرع.
سبق أن حددت الأحزاب الكردية عشرة مطالب بدءاً من منح الأكراد السوريين كامل حقوقهم والاعتراف بلغتهم ومدارسهم وثقافتهم، ووصولاً إلى وضع دستور جديد يعترف بالجماعة الإثنية الكردية في سورية.
إذا ألقينا نظرة سريعة على التاريخ، نُلاحظ أن ما يحدث في مصر يتكرر في سورية، وما تشهده هذه الأخيرة ينعكس على العراق.
وإن كان السوريون يقلدون المصريين، فالعراقيون يحذون حذو السوريين، فعلى سبيل المثال، عندما نشأت دولة فاطمية في مصر، تأسست دولة فاطمية مماثلة في سورية، وبعد أن تشكّل مجلس قيادة ثورة في مصر عام 1952، أسست سورية مجلساً مشابهاً عام 1963، وحين نادت مصر بالوحدة العربية، جاء رد فعل سورية بالاتحاد مع القاهرة عام 1958.
يمكننا ملاحظة النمط ذاته في علاقة العراق بسورية، فحين تأسست الدولة الأموية المسلمة في دمشق عام 661، أنشأت بغداد الدولة العباسية المسلمة عام 750، وفي عام 1920، أنشأت سورية عرشاً ملكياً، فحذا العراق حذوها عام 1921، والمفارقة أنه نصب الملك عينه.
شكّلت سورية حكومة حزب البعث عام 1963، وسار العراقيون على الدرب ذاته عام 1968. إذن، ما يحدث في دمشق يترك تأثيرا كبيراً في الوضع في بغداد، ومن المحتمل أن تنتقل التظاهرات الشعبية في الشارع التي بدأت في سورية في شهر مارس إلى العراق، وكذلك عملية تبني الديمقراطية والإصلاح، التي ما زال العراقيون يتوقون إليها منذ سقوط نظام صدام حسين قبل ثماني سنوات.


* سامي مبيض بروفسور جامعي ومؤرخ ومحرر في مجلة Forward Magazine.