باسم الجسر

لم يكن أمين عام حزب الله، في خطابه الأخير، في حاجة إلى تأكيد ما يعرفه القاصي والداني، أي:

1) تضامنه مع النظام السوري الحاكم وشجبه للانتفاضة الشعبية في سوريا.

2) اعتباره جبهة الممانعة والمقاومة المؤلفة من نظامي الحكم في إيران وسوريا، بالإضافة إلى حزب الله وحماس، الجبهة الوحيدة المتصدية لإسرائيل، بينما كل العرب والمسلمين وشعوب الأرض الأخرى، هي، في نظره، حليفة أو موالية أو عميلة للولايات المتحدة - وبالتالي لإسرائيل.

3) الاعتراف بأن إسرائيل قادرة على اختراق الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية، وأنها في مناوراتها الأخيرة إنما أكدت نيتها بالقيام بعدوان جديد على لبنان ما دام أن هناك أربعين ألف صاروخ فيه بيد حزب الله، موجهة نحوها. إلا أنه من حق كل لبناني وكل عربي ومسلم أن يسأل أمين عام حزب الله:

1) لماذا يدافع ويؤيد الانتفاضة الشعبية في البحرين، ويشجبها ويدينها في سوريا؟ وهل للوطنية والقومية والأخوة والتضامن، مفاهيم مختلفة في هذا البلد العربي، عنها في بلد آخر؟

2) هناك في البلدان العربية، والخليجية خاصة، مئات ألوف اللبنانيين العاملين هناك، وعشرات بل مئات الألوف من المصطافين والسياح والمستثمرين العرب والخليجيين، ممن يغطون، إنفاقا وتحويلا، ثلث أو أكثر من الدخل الوطني اللبناني.. فهل فكر الأمين العام في أمرهم، وأمر الاقتصاد اللبناني، عندما أعلن موقفه السلبي من أنظمة الحكم فيها؟

3) قد يكون من حق حزب الله وأمينه العام الدفاع عن نفسه في وجه الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وكل من يصنفه حزبا إرهابيا، وبالتالي أن يعتبر السفارة الأميركية في بيروت laquo;وكرا للتجسسraquo; لحساب إسرائيل، ولكن نحو أي أفق يريد حزب الله - وهو الآن في الحكم - أن يدفع لبنان؟ وهل باتت أي علاقة أو تعاون بين الدولة اللبنانية والولايات المتحدة (التي قدمت مئات الملايين من المساعدات العسكرية والمالية والفنية للبنان)، نوعا من التبعية والعمالة والخدمة المباشرة لإسرائيل؟ كلنا يعرف أن الولايات المتحدة منحازة لإسرائيل، ولكن هل الرد الوحيد على ذلك هو إعلان الحرب على الولايات المتحدة وقطع العلاقات معها؟ وهل تستطيع إيران وسوريا تعويض لبنان عن الخسائر الاقتصادية والمالية التي ستلحق به إن هو اتبع مخطط حزب الله وأقفل نوافذه وأبوابه في وجه أوروبا والولايات المتحدة، وأدار ظهره للمجتمع الدولي وللأمم المتحدة ومجلس الأمن، بالإضافة إلى إغضاب أكثرية الدول العربية؟ تشاء الصدف (؟) أن يترافق خطاب أمين عام حزب الله، مع مقال نشرته صحيفة فرنسية (لوفيغارو) عن نقل حزب الله لترسانته الصاروخية من سوريا إلى الأراضي اللبنانية laquo;تحسبا لما قد تتطور إليه الأمور في دمشقraquo;. إن هذا الخبر، في حال صحته، يحمل معه تحولا خطيرا في توازن القوى في المنطقة. ذلك أنه في حال تغيير النظام في سوريا أو إصلاحه، فسوف يصبح حزب الله في لبنان القاعدة العسكرية والسياسية الإيرانية الأساسية في المشرق. ولا نذيع سرا إذا قلنا إن إسرائيل والولايات المتحدة laquo;لن تسكتاraquo; على ذلك، وإن دور حزب الله السياسي المستند أساسا إلى السلاح، سوف يزداد ضغطا على السلطة في لبنان، وتقليصا لها.. ولسنا نرى كيف ستستطيع الحكومة اللبنانية الجديدة أن تحكم في ظل هذه المستجدات والاحتمالات. ولا سيما عندما سيصدر القرار الاتهامي من قبل المحكمة الدولية، في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه الشهداء السياسيين الآخرين. يقال إن البيان الوزاري للحكومة قد توصل إلى laquo;صيغة ذكيةraquo; حول المحكمة الدولية والمقاومة، laquo;ترضي الذئب والغنمraquo;، وتنال الثقة على أساسه. ربما. ولكن مهما laquo;تذاكىraquo; واضعو البيان الوزاري، فإن الحكومة لن تستطيع التهرب من الإجراءات العدلية التي ستتبع صدور القرار. فإما أن تتعاون مع المحكمة الدولية وتصطدم بحزب الله، وإما أن ترفض التعاون، وإما أن تعلن عجزها عن التنفيذ (بحجة حماية الأمن والوحدة الوطنية)، معرضة نفسها، عندذاك، لردود فعل دولية سلبية ومضرة جدا بلبنان.

في مطلق الأحوال لن تعيش هذه الحكومة أياما سعيدة، ولن يعرف لبنان، في الأشهر القادمة، لا صيفا واعدا ولا خريفا هادئا، بل ستبقى الأمور laquo;معلقةraquo;، والأنفاس محبوسة، في انتظار مآل الأحداث في سوريا، التي مهما كانت نتائجها (إصلاحا أم تغييرا للنظام)، فلن تكون في صالح الأحزاب والجهات التي باتت أداة لحكم لبنان laquo;من الخارجraquo;، وتعمل لتحويل لبنان إلى ساحة قتال وتصفية للنزاعات الإقليمية والدولية.