عمر عدس
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي يوم الاثنين، 27/،6 مذكرة توقيف بحق الزعيم الليبي معمر القذافي،
وابنه سيف الإسلام، ورئيس مخابراته العسكرية، صهره عبدالله السنوسي . وكانت الفكرة الرئيسة التي استحوذت على معظم تعليقات المراقبين، الغربيين بخاصة، هي أن قرار المحكمة، يحشر القذافي في الزاوية، ويجعله أكثر تشبثاً بالسلطة، ولكن أحداً، في ما نعلم، لم يتطرق إلى ldquo;طبيعة عملrdquo; المحكمة، التي تجعلها تتغاضى عن جرائم في أماكن أخرى، كالجرائم ldquo;الإسرائيليةrdquo; مثلاً بحق الشعب الفلسطيني .
في صحيفة ldquo;الغارديانrdquo; البريطانية، (29/6/2011)، كتب سايمون تيسدال، تحت عنوان: قرار المحكمة قد يحمل القذافي على التشبث بالسلطةrdquo; .
إن قرار المحكمة الجنائية الدولية اتهام معمر القذافي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، يضيق الأنشطة التي لفها حول عنقه، رئيسُ الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، والرئيسُ الفرنسي، نيكولا ساركوزي، وغيرُهما، ويُكسبها صفة الشرعية .
ولكنّ تصرّف المحكمة، بدلاً من أن يعجّل في إزاحة العقيد القذافي عن السلطة، قد يعزز إصراره على البقاء والقتال .
ويضيف الكاتب قائلاً: لا يكاد يختلف اثنان على أن العقيد القذافي ومساعديْه المقربين، ابنه سيف، ورئيس استخباراته العسكرية، عبدالله السنوسي، لديهم ما يوجب تقديمهم إلى المحكمة .
ويرى الكاتب، أنّ قرار محكمة الجنايات الدولية، سيلقى ترحيب المدافعين عن العدالة الدولية، وأنصار مبادئ الأمم المتحدة التي تعتبر المجتمع الدولي مسؤولاً عن حماية المدنيين .
كما سترحب به بريطانيا وفرنسا، المحركتان الأساسيتان لخطة التدخل العسكري، باعتبار القرار دليلاً على نجاح حملتهما غير العسكرية، الرامية إلى عزل ونبذ وإسقاط العقيد القذافي، وتجريده من الشرعية، حتى وإن لم يكن قصف الناتو يحقق ذلك النجاح .
فقد قال وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، معقباً على القرار، ldquo;إن مذكرات الاعتقال، تبين أسباب فقدان القذافي كل شرعية، وتوضح موجبات رحيلهrdquo; . وقال إن المتورطين في الهجمات على المدنيين سوف يُحاسَبون .
ويرى الكاتب أن قرار المحكمة قد يكون له أثر عكسي . فاستهداف العقيد القذافي شخصياً، سوف يثير الأسئلة عن الحكمة في جعل التخلص من القذافي، أساس النجاح في ليبيا . كما أن القرار، سيغذي الادعاءات بأن محكمة الجنايات الدولية تلاحق الزعماء الأفارقة من دون غيرهم، ويعزز اتهام الولايات المتحدة (التي ليست طرفاً في محكمة الجنايات الدولية) بازوادجية المعايير .
ويشير الكاتب إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي، الذي أجاز العمل العسكري، اضطر إلى تجنب التطرق إلى وضعية القذافي . لأنه لو فعل، وأجاز تغيير النظام في ليبيا، لجُوبِهَ بالفيتو الروسي أو الصيني أو كليهما .
وفي مجلة ldquo;كومنتريrdquo; الأمريكية المحافظة، (28/6/2011)، كتب المؤرخ العسكري، ماكس بوت، ldquo;لا يساورني شكّ في أن القذافي وابنه ورئيس مخابراته العسكرية، مذنبون في جميع الجرائم التي اتهموا بها- بل أكثر منها . ولكن، ما الهدف الذي يخدمه الآن إصدار هذه الاتهامات؟ وهل تخطط المحكمة الجنائية الدولية لإرسال جيش من المحامين الدوليين إلى طرابلس لاعتقال القذافي وتسليمه ليُحاكم في لاهاي؟rdquo; .
ويتابع الكاتب قائلاً: ldquo;إن السابقة السودانية في هذا المجال، غير مشجعة: ففي سنة 2005 وجهت المحكمة الجنائية الدولية الاتهام لعمر حسن البشير، رئيس السودان . ولكن البشير لا يزال حرّاً طليقاً، ولا يزال يدير بلاده، بل يتهيأ لزيارة الصين (وقد زارها فعلاً بعد كتابة هذا الرأي) . ويقول الكاتب، من الصعب معرفة ما إذا كانت مثل هذه التهم الجوفاء تخدم قضية العدالة، أم تؤذيها . ربما تساعد على عزل القذافي والبشير، ولكنها تجعل هذين الطاغيتين أكثر تعنتاً في بقائهما في السلطة . فهما يعرفان أنهما- لو تنحّيا عن السلطة- فسوف يَؤولان إلى زنزانة في أحد السجون، لا إلى دارة فارهة على شاطئ الريفيراrdquo; . ويقول الكاتب: ldquo; . . ينبغي أن تتوفر لمجلس الأمن الدولي، آلية تمكنه من منح الحصانة من المقاضاة عندما تكون مبررة . وفي حالة ليبيا، يمكن أن يكون منح الحصانة، الوسيلة المناسبة لإقناع القذافي بمغادرة السلطة . وفي غير هذه الحالة، من المرجح أن يقاتل حتى الموت، مصطحباً معه المزيد من الأرواح إلى القبرrdquo; .
وفي مجلة ldquo;تايمrdquo; الأمريكية، (27/6/2011)، كتبت فيفيان والت، يظل من غير المعروف ما إذا كانت مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، (بحق القذافي وابنه ورئيس مخابراته العسكرية)، سوف تعجّل في إنهاء الحرب، بتسريع انهيار النظام، من خلال عزل القذافي، أم إنها ستعمق تمرده بقطع خطوط الرجعة عليه .
وتقول الكاتبة، إن المحكمة الجنائية، على الرغم من صرف مليارات الدولارات، فشلت في إدانة أي متهم خلال تاريخها على مدى ثماني سنوات، وعندما يُجلب أشخاص إلى هذه المحكمة فعلاً، تمتد المحاكمات سنوات .
وفي صحيفة ldquo;كريستيان ساينس مونيتورrdquo; (27/6/2011)، كتب هوارد لافرانتشي، ldquo;يُطري المدافعون عن حقوق الإنسان الدولية اتهام المحكمة الجنائية، يوم الاثنين، 27/،6 للزعيم الليبي، معمر القذافي، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ولكن أمر اعتقاله لا يحتمل أن يُغير وضع مهمة الناتو العسكرية المأزوم على الأرضrdquo; . ويضيف الكاتب، ldquo;إن قرار المحكمة ربما يؤدي إلى إطالة أمد الصراع الليبي . وقد يعزز تصميمَ القذافي على مخاتلة طائرات الناتو الحربية، ومقاومة أي حل سلمي يستلزم رحيله عن ليبيا، لأنه قد يعتبر التسليم الآن، معادلاً للاعتقالrdquo; . وينقل الكاتب عن الخبير في حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية في مؤسسة التراث في واشنطن، ستيفن غروفز، قوله: ldquo;لو كنتَ محل القذافي، فهل يجعلك قرار الاتهام أكثر ميلاً إلى مغادرة البلاد، أو التفاوض على حل سلمي، أم أقل ميلاً إلى ذلك؟rdquo;، ويجيب: ldquo;إن ذلك سيجعله أشدّ تصميماً على التحمل والصبرrdquo; .
وفي موقع ldquo;شبكة فوكس نيوزrdquo; (27/6/2011)، كتبت جوديت ميللر: قد يبعث قرار المحكمة الجنائية الدولية، إصدار مذكرة باعتقال الزعيم الليبي معمر القذافي، برسالة قوية إلى الزعماء الفاسدين، ولكنه لم يكن ليأتي في وقت أسوأ من الوقت الذي جاء فيه، حيث تتواصل الجهود الرامية إلى تخليص ليبيا من طاغيتها العريق .
وتضيف: إنها التفاتة إلى العدالة في توقيت رهيب، وقرار يُرجَّح أن يضمن عدم تنحي القذافي وبحثه عن منفى في بلد أجنبي، في أي وقت قريب . ويعني القرار أيضاً، كما تقول الكاتبة، أن الحرب الأهلية التي تضطرم الآن في ليبيا سوف تستمر على الأغلب، مع ما يرافقها من معاناة المدنيين الليبيين، الذين تدخّل الرئيس باراك أوباما قبل نحو ثلاثة أشهر، لإنقاذهم من المذبحة وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى .
وتقول الكاتبة، إن البعض يتوقعون أن يعمّق قرار المحكمة الجنائية، عزلة القذافي الدولية، ولكن آخرين يقولون إن تصرف المحكمة لا يمنح القذافي أي خيار سوى ldquo;القتال حتى الرمق الأخيرrdquo; .
وهذا أيضاً، هو رأي سفير الولايات المتحدة السابق لدى الأمم المتحدة، جون بولتون، الذي قال، إن قرار المحكمة، عسّر التوصل إلى حل سلمي، لأنه منح القذافي حافزاً للبقاء، كما جاء في موقع شبكة ايه بي سي الإخبارية، (28/6/2011) .
التعليقات