عبدالعزيز المقالح

خيراً كان في السودان ما تمنى العقلاء في الوطن العربي ألا يكون، وانفرط عقد السودان وصار سودانين، كما كان متوقعاً، وكما رسمته مخيلة القوى النافذة في العالم اليوم وساعدت عليه أنظمة غير مسؤولة تعاقبت على حكم السودان الشقيق وأوصلته إلى إنجاز هذه الخطوة الأولى التي تعد الأولى التي تسبق خطوات وتقسيمات أخرى، الاستعداد لها جارٍ وقائم على قدم وساق . وخوف العقلاء في الوطن العربي لا يقف عند السودان وحده، بل أن تمتد العدوى السلبية إلى بقية الأقطار العربية، فما السودان سوى النموذج الأول للتفتيت المنتظر والتطبيق الفعلي لمخطط جاهز ومعروف منذ عقود وإن حاولت القيادات العربية أن تتجاهله أو تتغابى عن معرفته لأسباب لا يمكن تبريرها أو إيجاد أي عذر للصمت عليها .


ومن النافل القول إن تمزيق الممزق في الوطن العربي وتفتيت المفتت أمر يشغل القوى المعادية تلك التي كانت ولا تزال تدعي أنها صديقة، ووقوف هذه القوى ضد أي حديث عن الوحدة أو الاتحاد وما تبذله من جهود وتعدّله من خرائط جديدة لم يعد مجرد تكهنات بل استقراء واقعي لأهداف ليس أقلها - كما يقول بعض الساسة في الغرب - إقامة دويلات صغيرة على شاكلة الكيان الصهيوني خوفاً عليه من عدوان الدول ذات العدد الكبير من الطاقات البشرية التي في مقدورها إذا ما وجدت قيادات وطنية مخلصة أن تشكل قوة لا يُستهان بها وحتى لا تصبح قادرة على تهديد الكيان الصهيوني فحسب وإنما تهديد أحلام ومشاريع القوى المعادية ذاتها، وهكذا تكون الأهداف أو أهم هذه الأهداف قد اتضح وصار معلوماً لكل العرب ولغير العرب أيضاً .


نحن لا نلوم العدو لما يجهزه من مخططات وما يعده من أساليب لتفتيت ما تبقى من وحدات قطرية في الوطن العربي ولكننا نلوم أنفسنا أولاً وأخيراً، نلوم القيادات التي انصرفت عن بناء هذه الأقطار بناءً حراً ديمقراطياً، وعن إعطاء كل فئة أو طائفة في هذه الأقطار حقها في التعبير والمشاركة في الحكم على قدر من المساواة واحترام المواطنة، ولو حدث ذلك لما حدثت الانشقاقات واتسعت مساحة التمرد والبحث عن وسائل أخرى تدمر الوطن وتفتت إمكاناته وتجعله في حالة مواجهة مع نفسه، على أمل بأنه في اللحظة المناسبة سوف يتدخل الأعداء ليضربوا ضربتهم تحت دعاوى غياب حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير، وغيرها من الدعاوى الهادفة إلى تفتيت وحدة الشعوب والأمم .


وتجاه ما حدث ويحدث لسوداننا الشقيق لا شيء يقال سوى كلمات عزاء إلى بقية أبناء الأمة العربية القادمة على أسوأ التطورات في ما تبدو سلة الغذاء التي ظل المخلصون يحلمون بها ويعتقدون أنها ضمانة الأمن الغذائي للمنطقة بأكملها في لحظة انشطار وتناثر، ولا عزاء لمن أسهموا في هذا المصير ولمن تفرّجوا وكان في إمكانهم أن يفعلوا الكثير لتفادي التقسيم وإصلاح الخلل قبل فوات الأوان . والكرة الآن في ملعب الأقطار العربية المرشحة للتقسيم في أخذ العبرة والإسراع في اتخاذ القرارات السياسية العملية الصائبة التي تجمع ولا تفرق وتوحد ولا تبدد على حد تعبير مشهور ومتداول لزعيم الأمة العربية الراحل جمال عبدالناصر قدس الله روحه في جنات النعيم .