وزراء ينتهكون عرض إصلاحات الرئيس بوتفليقة!
خضير بوقايلة
نجح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بامتياز في امتصاص غضب الشارع ومنع انتقال عدوى الربيع العربي إلى بلده بعد أن كان هو الآخر مرشحا ليتسلم المشعل من ثوار تونس في كانون الثاني/يناير الماضي. الأزمة بمختلف أوجهها لا تزال تنخر المجتمع الجزائري وما فعله الرئيس بوتفليقة لم يكن بأية حال حلا لهذه الأزمة أو الأزمات، بل كل ما حدث هو أنه أدى حركة استعراضية استخفّ بها شعبه فطوّعه، حركة تشبه تلك التي يشتهر بها مهرج أو ساحر السيرك، لم يفعل شيئا لكن السذج صدّقوا أن ما أوهمهم به كان حقيقة، لكن الفرق بين المهرج والرئيس أن الأول يصفق له الناس ثم يغادرون معجبين في حين أن الثاني سيجد نفسه بعد حين أمام شعب غاضب اكتشف أنه كان ضحية خدعة صوتية أو بصرية، وحتى لا نظلم بوتفليقة وحده لا بد من التأكيد أن الشعب الجزائري كان عرضة لمثل هذه الخدع منذ استقلال البلد، في كل مرة ومع كل رئيس كان المبدأ هو الكذب على الشعب والضحك عليه والاختلاف كان في طريقة إخراج وأداء اللعبة.
قد يجد بوتفليقة ومعه أقطاب النظام الحاكم مخرجا سحريا آخر للأزمة القادمة بعد أشهر أو سنة، خاصة أن كل همه الآن هو أن يكمل ما بقي من فترته الحالية في سلام وبعدها سيسلم العهدة للرئيس القادم مع ورقة كتب عليها هذا المثل المشهور في الجزائر (اللي يبقى في الدار يخلّص الكراء)، لكن الخشية أن حلم الرئيس في إنهاء فترته في سلم وأمان قد لا يتحقق لأن المشوار أمامه طويل (3 سنوات)، وأيضا لأن عدوى الثورات في المنطقة العربية لا تزال في أوجها وكل نظام عربي ينهار سيكون مصيبة أشد على حكام الجزائر.
وعد الرئيس بوتفليقة قبل شهرين بإصلاحات سياسية شاملة وهامة تشمل منظومة الحكم في مجملها ثم أنشأ من أجل ذلك اللجنة الوطنية للتشاور حول الإصلاحات السياسية بدأت عملها باستقبال ما قيل إنها شخصيات وأحزاب وطنية للاستماع إلى رأيها وتسجيل مقترحاتها في الثوب الدستوري الذي ستلبسه الجزائر الجديدة، وقد عملت اللجنة التي أشرف عليها رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح بمساعدة مستشارين للرئيس بينهما الجنرال محمد تواتي من 21 ايار/مايو إلى 21 حزيران/يونيو الماضيين ويعتقد أنها أكملت عملها وسلمت تقريرها إلى الرئيس.
بوتفليقة استغل فرصة انعقاد مجلس الوزراء بداية هذا الأسبوع ليتطرق إلى موضوع هذه الإصلاحات، وأكد من بين ما قال على (وجوب إحالة كافة مشاريع القوانين ذات الصلة بالإصلاحات السياسية على البرلمان خلال دورته المقبلة) أي بعد شهر رمضان، كما جدد الرئيس (إصراره على الوصول من خلال هذه الإصلاحات التشريعية ومن خلال المراجعة المقبلة للدستور إلى استكمال تعزيز دولة الحق والقانون القائمة على الفصل الواضح الصريح بين السلطات وضمان أوفى للحقوق والحريات الفردية والجماعية وتعزيز التعددية الديمقراطية إلى جانب نظام انتخابي يكفل الشفافية والحياد بضمانات أقوى). ثم أضاف بوتفليقة في كلمته أمام وزرائه قائلا إن (الاستشارة الواسعة التي قررناها مؤخرا أتاحت معرفة رأي الطبقة السياسية والشخصيات الوطنية والمجتمع المدني)، مضيفا أن هذه (الإسهامات والآراء التي تم استقاؤها ستؤخذ بعين الاعتبار عند صياغة كافة مشاريع النصوص بما في ذلك النص المتعلق بمراجعة الدستور).
مبادرة تعيين لجنة تتولى جمع آراء الطبقة السياسية والشخصيات الوطنية ليس في ظاهرها مأخذ يستحق الطعن فيها، تماما مثل تصريحات رئيس الجمهورية الذي يؤكد على أن كل آراء ومقترحات السياسيين الذين تعاقبوا على لجنة المشاورات ستؤخذ بعين الاعتبار عند صياغة نصوص مشاريع الدستور الجديدة وقوانين الانتخابات والأحزاب وغيرها. مبادرة وكلام جميل لو لم يلجأ الرئيس إلى احتواء المشهد بهذه الحركة السحرية التي ستثبت عند زوال مفعولها أنها كانت مجرد خدعة تنويمية لربح الوقت. ودعونا هنا نستعرض مواطن الخلل والخداع في هذه المبادرة ثم نقدم الدليل القاطع على أن كل الإصلاح الذي ينوي الرئيس طرحه على البرلمان وعلى الشعب مستقبلا (هذا إن فعل) هو عمل غير شرعي ولا يعبر بأي شكل من الأشكال عن رغبة الشعب في أغلبيته الصامتة.
المقترحات التي تلقتها لجنة المشاورات حول الإصلاحات السياسية كثير منها متناقض ولا أحد يعلم لحد الآن إن كانت الأرجحية ستعطى للرأي الذي اجتمعت عليه الأغلبية أم للأصلح أم أن الرئيس بالتشاور مع أهل الحل والعقد هو الذي سيختار ما يعجبه ولن يكون كاذبا في وعده لأنه أخذه من المقترحات المقدمة ولا يهم أن يكون صاحب الاقتراح شخصية لا تمثل إلا نفسها أو حزبا مجهول الهوية أو حتى حزبا من أحزاب الأغلبية في البرلمان والتي يعرف القاصي والداني أنها صنيعة النظام ولا تسبح إلا بحمده.
هنالك شخصيات وطنية ومثقفون وأحزاب أيضا قالت إن أي دستور جديد للجزائر لن يكون ذا مصداقية إلا إذا صدر عن مجلس تأسيسي يختاره الشعب ضمن استشارة صادقة ونزيهة، والحقيقة أن مطلب المجلس التأسيسي مرفوع في الجزائر منذ سنوات عديدة لكن النظام يرفضه لأنه يهدد بقاءه، وقد سارعت قادة في أحزاب السلطة هذه المرة أيضا إلى تبرير رفض صيغة المجلس التأسيسي بقولهم إن ذلك معناه مسح كل الفترة التي أعقبت استقلال البلد وأن الحكومات المتعاقبة عبر خمسة عقود تقريبا لم تنجز شيئا. ماذا أنجزت إذن غير مصادرة إرادة الشعب وجعل الجزائريين عاما بعد عام عرضة لأقسى الإهانات وتلطيخ سمعة البلد؟ ماذا أنجز الذين تعاقبوا على السلطة منذ فجر الاستقلال غير إذكاء نار الفتنة بين الجزائريين وغير مشاهد الصراع على السلطة؟ ماذا فعل هؤلاء لصالح الشعب وازدهاره ونمو البلد؟ انظروا إلى جميع مؤشرات التقارير الدولية النزيهة منها والمغرضة الخاصة بالتنمية والفساد وحقوق الإنسان وغيرها كثير ولن تجدوا فيها واحدا يرفع رأس الجزائريين بل انظروا إلى حالة الشعب والحالة النفسية التي يستيقظ وينام عليها شباب الجزائر.
دعونا من هذا الآن ولننظر إلى الدليل الذي جاءنا على طبق من ذهب من داخل النظام يخلع عن هذه الإصلاحات كل أثواب المصداقية والجدية في مخاطبة الشعب واحترام ذكائه. الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قال في تدخله الوزاري الأخير إن الإصلاحات الدستورية والسياسية الجديدة ستعرض على البرلمان وهي في الأصل مستقاة من مقترحات الطبقة السياسية خلال جلسات المشاورات الأخيرة. والآن لنقرأ ما قاله وزيران من أهم وزراء حكومة بوتفليقة عن البرلمان الذي سيناقش ويصادق على نصوص العهد الجديد وعن الطبقة السياسية التي قدمت تصورها للجزائر الحديثة. في شهر حزيران/يونيو وقف وزير العدل الجزائري الطيب بلعيز أمام البرلمان واعترف أمام النواب ووسائل الإعلام بأن (القوانين لا تطبق بالمساواة على جميع المستويات)، مشددا على أن (انتشار اللاعقاب واللامساءلة واللامحاسبة مصيبة مضرة باقتصاد البلاد)، ليس هذا فقط، بل قال لأعضاء البرلمان وهو في حالة دفاع شرعي عن انتقادات وجهت له بعدم تطبيق القانون (لو طبقنا القانون لرفعنا الحصانة عن كثير من النواب، ولأدخلناهم السجن). لاحظوا أنه استعمل وصف كثير ولم يكن هناك يتحدث عن أقلية أو شواذ بل عن أغلبية نواب البرلمان الذين قدّر أن مكانهم الطبيعي في السجن، لكنهم بلطف عجيب مستمرون في تمتعهم بلقبهم وأكثر من ذلك فإن فخامة الرئيس أسند إليهم مهمة مناقشة قوانين الإصلاح التي ستؤدي كما قال (إلى استكمال تعزيز دولة الحق والقانون). تعزيز دولة الحق والقانون بنواب خارجين عن القانون وحكومة ساكتة عليهم.
نهاية الأسبوع الماضي وقف وزير داخلية الجزائر دحو ولد قابلية أمام نفس البرلمان وتحدث بلسان صادق عن الأحزاب التي تزخر بها الساحة الجزائرية ويفتخر بها النظام على أنها دليل على حياة الديمقراطية والتعددية في البلد، ماذا قال عنها؟ (لو طبقت نصوص قانون الأحزاب الحالي كما هي موجودة مثلما ينادي البعض لتم توقيف نشاطات 50 بالمائة من الأحزاب المعتمدة). الوزير لم يكن قاسيا كثيرا ومع ذلك فقد اعترف أن نصف الأحزاب الموجودة الآن على الساحة السياسية هي أحزاب غير شرعية. نفس هذه الأحزاب هي التي أوصى الرئيس بوتفليقة لجنة المشاورات السياسية التي عينها بالاستماع إليها وأخذ مقترحاتها حول الإصلاحات السياسية التي ستدخل الجزائر عهدها الجديد، وقد تعاقبت هذه الأحزاب الفاقدة للشرعية باعتراف الوزير المسؤول عن الحياة السياسية والحزبية على لجنة بن صالح وقدمت مقترحاتها وشاهد الجزائريون زعماءها فرحين معتزين بالمهمة الجديدة الموكلة إليهم، نفس هذه المقترحات الصادرة عن أحزاب غير شرعية سيجدها الجزائريون في دستورهم الجديد. ماذا علينا أن نقول بعد هذا؟!
التعليقات