سيد أحمد الخضر

منذاللحظات الأولى لاندلاع الثورة الليبية، حذر كثيرون من دخول القوى الغربية على الخط لأن العقيد معمر القذافي ظل يتبنى طيلة أكثر من أربعين سنة قضاها في الحكم سياسة تركز على استعداء الدول العظمى، وتمكن في أكثر من مناسبة من حشد الدعم محليا وإفريقيا لغروره الكبير، كما نجح في تسوية ملفات بالغة التعقيد.
إزاء الحديث عن دعم الثورة في ليبيا لا ينبغي الاقتصار على إجرام القذافي وفقدانه للشرعية وخبرته الكبيرة في قمع الحريات وحفر المقابر الجماعية فحسب، بل يجب استحضار أن النظام الليبي يعرف كيف يدغدغ مشاعر الغرب, وقد جرب هذا المسار مع كل من واشنطن وباريس ولندن التي تتصدر الدول الداعمة للثوار.
إن قدرة نظام القذافي على البقاء لا تكمن في وحشيته في التعامل مع المعارضة ولا في تمدّده في إفريقيا وأميركا اللاتينية وكسبه ولاء شيوخ العشائر في ليبيا والنيجر وتشاد والعديد من دول الجوار، بل تكمن في صبره الطويل على معاداة القوى العظمى من جهة وسخائه اللامحدود في شراء مواقف ساسة الغرب من جهة أخرى.
يجب التنبّه إلى أن دماء جميع الليبيين لا يمكن أن تكون أغلى -في نظر العالم الحر على الأقل- من 250 غربيا قتلهم القذافي في حادثة لوكربي الشهيرة. لقد اتحد العالم آنذاك ضد العقيد المتهور وخضعت ليبيا طلية ثماني سنوات لحصار خانق. لكن ساسة الغرب توصلوا إلى تسوية مع الزعيم ضمنت له البقاء في السلطة مقابل عقود نفطية كبيرة ورشاً سخية، وقد حدث كل هذا رغم رفض الشارع الغربي للتسوية، ما يعني أن الموقف الغربي لن يكون حاسما في التخلص من العقيد.
لقد قلنا أكثر من مرة إن أكبر تهديد تواجهه الثورة الليبية هو تحولها إلى صراع بين الغرب والقذافي، لأن الطرفين دأبا على تسوية صراعاتهما على حساب الشعب الليبي.
إن قراءة تصريحات الساسة وتململ العسكريين الغربيين من الحرب في ليبيا تكشف أن العقيد في طريقه لشراء الضمير الغربي مرة أخرى. ولعل التسريبات التي تقول إن فرنسا بدأت التفاوض مع حكومة طرابلس تؤكد أن مهمة حلف الناتو لم تعد الإطاحة بالعقيد القذافي، إنما سيكتفي بتحقيق مكاسب سياسية هزيلة جدا تتمثل في إرغام ثوار بنغازي على الدخول في شراكة -ستكون مؤقتة على الأرجح- مع نظام طرابلس، وستنجح دول الحلف طبعا في الحصول على العديد من المزايا الاقتصادية لتكون النتيجة هي سرقة الثروة والثورة الليبيتين.
ينبغي أن نضع حدا لمجاملة الثوار في ليبيا لنذكرهم بحقيقة أن التحرر تفرضه إرادة الشارع ولا يمكن استيراده من الخارج. لقد نجحت الثورة في تونس ومصر في كسب تأييد الشعوب الحرة لأنها بلغت غايتها دون الاستعانة بالخارج. كذلك ظلت الثورة اليمنية رغم طول أمدها تستقطب اهتمام الشارع العربي, حيث لا تزال فعلا يمنيا خالصا. على الليبيين متابعة هذا المسار خصوصا أن لديهم سجلا حافلا بالجهاد والنضال.
وارد جدا أن تكون استعانة الثوار بالغرب أملتها فظاعة القذافي في قمع المطالبين بالحرية والإصلاح، لكن الملاحظ هو أنه بقدر ما توطّد حكومة بنغازي علاقتها بدول الغرب تضعف ثقة الشارع الليبي والعربي في قدرة الثوار على تحقيق النصر والزحف نحو طرابلس.
إذن على مصطفى عبدالجليل -الذي تزعم المجلس الانتقالي ببنغازي بعد أن كان أحد أهم رجالات القذافي- أن يعي جيدا أن الارتماء في أحضان الغرب من شأنه أن يقتل الثورة الليبية التي بدأت سلمية ويجب أن تعود كما بدأت.