سعد بن طفلة العجمي

quot;سنطلق سراح الأطفال المعتقلينquot;، هذه العبارة أطلقها مسؤول أمني مخابراتي كبير في بلد عربي تجتاحه المظاهرات المطالبة بالحرية والكرامة والحقوق الإنسانية، ليس مهمّاً اسم البلد، فالمسألة ليست بإدانة الدولة، ولكنها توقف عند الحدث الجلل. أمة تعتقل أطفالها!

مرت هذه العبارة دون أن تأخذ حيزاً كبيراً من التعليقات أو الكتابات أو يتم ترديدها بالدقائق التي تسبق نشرات الأخبار، لم تبثها نشرات الأخبار بين وصلاتها واستراحاتها مكررة، ولم تبثها قبل مواجزها، مر التصريح دون التوقف عنده: لا يزال التصريح يطن في أذني، لن أنسى وجه ذلك المسؤول الذي تورمت أوداجه من quot;لهطquot; الحرام، ولن تغيب أكتافه العريضة التي نبتت وعرضت من أكل السحت والعمولات وquot;الإكرامياتquot;. كيف لنا كأمة أن يصرح مسؤول عسكري مخابراتي بهكذا تصريح دون خجل أو وجل أو خوف؟ كيف يجرؤ على إهانتنا وانتهاك طفولتنا أمام أعيننا ويصرح بذلك جهاراً نهاراً وأمام أجهزة الإعلام؟ كيف ننظر في عيون أطفال مرغت براءتهم بالسجون والمعتقلات؟ لم تكن عبارته في جلسة لقاء أمني سري بين قيادات المخابرات ومسؤوليها، بل كانت تصريحاً رسميّاً واعترافاً صُراحاً بأنه اعتقل الأطفال!!

تتساءل: هل يعقل أن يقول هذا المسؤول ما قاله بكل صلف وعناد؟ أهو مدرك ما لتصريحه من أثر عليه وعلى نظامه؟ هل ينتظر العالم اعترافاً أكثر من ذلك على بشاعة ووحشية نظامه؟ كيف يمكن أن يمر هذا التصريح دونما موقف من اليونيسيف؟ ما رأي منظمات الطفولة العربية والعالمية؟

يعاد التصريح في النشرة التالية، فتتأكد مما سمعت. كنت أتمنى أن أكون قد أخطأت فهم ما بث في النشرة الأولى. تمنيت لو أنه قال: أنقذنا الأطفال، لكنه قال بالحرف الواحد: quot;حتى الأطفال راح نطلق سراحهمquot;!!

لم يصرح مسؤول عربي واحد حتى الآن دفاعاً عن الأطفال، لم تصدر منظمة إنسانية عربية واحدة بياناًَ تطالب فيه بمحاسبة هذا المسؤول. لم تخرج مظاهرة واحدة في عواصم هذه الأمة من أجل الطفولة. تذكرت الحرب المقدسة التي أعلنها المتطرفون على رسوم كاريكاتيرية تافهة سخيفة؟ أين المفكرون والممثلون والممثلات والفنانون والفنانات من هذا المصاب الذي ينز الوجه منه عاراً وقبحاً؟

يا للعار، ويا للخيبة، إننا أمة تعتقل أطفالها! لماذا اعتقل الأطفال أصلاً؟ ما هي الجريمة التي قام بها الطفل كي يعتقل؟ كيف يعتقل طفل بجريمة سياسية؟ ماذا قال الأطفال ليهزوا نظاماً بحكومته ووزرائه وشرطته وجيوشه ومخابراته وأجهزته الأمنية؟ ترى! أي مصير ينتظر هؤلاء الأطفال في سن الشباب والرجولة إن كانوا قد اعتقلوا وهم أطفال؟ أي نشاط سياسي سيمارسونه رجالًا، إن كانت عفوية الطفولة قد زجت بهم وراء القضبان؟ بعض الأخبار تحدثت عن هتك أعراضهم في غياهب المعتقلات!!

هل يعقل أن تغتصب الدولة طفلًا؟ تتساءل ببلادة! ولمَ لا، فقد عذبت الدولة وقتلت وسحلت وشردت وانتهكت أعراضاً من قبل. رئيس إسرائيل الأسبق -موشيه كستاف- وراء القضبان سبع سنوات لأنه تحرش جنسيّاً بنساء. إسرائيل -الكيان الصهيوني المصطنع التي نعلق عليها كافة القاذورات السياسية العربية- لم تقبل بانتهاك عرض نساء يهوديات. لم يشفع لـquot;ستروس كانquot; موقعه العالمي كمدير لصندوق النقد الدولي ولا نفوذه في فرنسا وأوروبا وأميركا، quot;فتبهدلquot; وتدمر مستقبله السياسي لاتهامه -مجرد اتهامه وليس اعترافه- بالتحرش بعاملة تنظيف بفندق.

دول تنتصر لعرض المواطن فيها، ولو كان الجاني زعيم الدولة، وأمة تنتهك طفولتها. لو قبلنا بانتهاك أعراض طفولتنا، فلمَ نحتج على انتهاك كل حقوقنا كأمة؟

أبشروا يا أمة العرب، فقد وصلنا إلى مرحلة إطلاق سراح الطفولة!