محمد حسين المومني

السرعة الفائقة التي بدأ بها الربيع العربي، الذي أطاح برئيسين في فترة قياسية، تراجعت لحدود جعلت من الصعب معها تخيل حدوث انتفاضات عربية جديدة، والأرجح أن الثورات التي ما تزال مشتعلة للآن ستنتج تحولا محدودا، وربما شكليا في درجة الديمقراطية والإصلاح السياسي، ربما باستثناء الحالة الليبية وذلك بسبب البعد الدولي لتلك الحالة.
لهذا البطء أسباب عديدة ومركبة؛ أولها تزايد أعداد المتوجسين من الربيع العربي لأنهم يرون أنه جلب كمّا مقدرا من الفوضى للدول التي نجحت فيها الثورة (مصر وتونس)، والكثير من القتل والعنف وانعدام الأمن للدول التي ما تزال ثوراتها تتداعى (اليمن وسورية وليبيا).
البطء معلل أيضا بأسباب مركبة أخرى، بعضها مرتبط بسياسات تبنتها الدول متزامنة مع تدخلات إقليمية سعت وتسعى للدفع باتجاه إمكانية وقف ومواجهة الثورات العربية، وذلك من خلال محاور ثلاثة: الدعم المالي للدول كما حدث مع بعض دول الخليج تأكيدا لمبدأ الريعية، أي أن التمثيل السياسي يجب أن يقترن بدفع الضرائب، فإن لم تدفع الشعوب ضرائب وكانت تعيش بحبوحة اقتصادية فلا يمكنها المطالبة بالشراكة في صناعة القرار؛ وثانيا، من خلال التأكد من انضباط الجيش والأجهزة الأمنية وتصليب ولائها للنظام السياسي والتأكد من عدم انحيازها للرأي العام المطالب بالتغيير؛ وأخيرا، فقد تم استخدام التجييش المضاد للثورات خاصة في الدول التي بها انقسام اجتماعي إثني، ما أدى إلى إبطاء الثورات ومطالب الإصلاح. هذه السياسات نجحت بدرجة أو بأخرى، ولكن ما يجب أن يقال للدول المتوجسة من الربيع العربي والتي تقود عملية إبطائه أنها معنية بتبني رؤية استراتيجية تتجاوز ذهنية quot;إمكانية استدامةquot; او العودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه، وأن تفكر جديا بخطاب سياسي إصلاحي بديل للثورات المطالبة بالإصلاح. والدول التي تخاف التحول الديمقراطي يجب أن تدرك أن افضل وسيلة لاحتوائه تكمن في قيادته، لأنه وإن أمكن تأخيره الآن فإنه قادم لا محالة.
على أن كل محاولات إيقاف مطالب الإصلاح العربية ما كانت لتنجح لو أن الثورات القائمة تمكنت من تقديم نموذج تحول سياسي هادئ ومستقر، محدد لسقوف مطالبه وقادر على إدارة خلافاته بديمقراطية تتعايش مع التباين والاختلاف. فما يحدث في مصر وتونس بالتحديد من تباين وصل حد التنازع، ومن عدم القبول للرأي الآخر، والاستمرار في تقديم مطالبات سياسية غير ناضجة ومؤلبة لقطاعات متباينة من المجتمع، أدى إلى تخوف كثيرين من الديمقراطية التي بدأت تختلط في عيون وأذهان المواطن العربي بالفوضى التي لا يريدها أحد. فبنظر هؤلاء تبدو الثورات العربية وقد تحولت إلى حركات فوضوية غير واضحة التركيب والهدف، وهذا بحد ذاته الخطر الأكبر على المد الإصلاحي في الإقليم وليس سياسات الدول في مواجهة حركات الإصلاح وإيقافها. وما لم يتم عقلنة الثورات وامتداداتها، فإن الفوضى هي ما ستؤول إليه، وليس الإصلاح والديمقراطية.