محمد كريشان


استمرار مأساة الليبيين مع العقيد القذافي منذ منتصف شباط/ فبراير الماضي لم تمنع 'الأخ القائد' من الإدلاء بدلوه في شؤون جارتيه الشرقية والغربية. الرجل صاحب نظرية عالمية تمثل الخلاص للبشر جميعا، لو كانوا يعلمون، ومن غير الحكمة مطالبته بالانشغال بهمومه عن هموم غيره.
بعد هروب بن علي سارع العقيد، والتونسيون في ذروة نشوتهم بانزياح كرب شديد، إلى التنكيد عليهم بالقول إن جيرانه هؤلاء ما كان لهم أن يجدوا أفضل من بن علي رئيسا يحكمهم وأنه كان من المفترض ليس فقط أن يتركوه في سدة الرئاسة إلى غاية 2014، فترة انتهاء مدته الرئاسية الأخيرة مبدئيا، ولكن أن ينصّـبوه رئيسا عليهم مدى الحياة. الآن جاء الدور على المصريين الذين ارتكبوا مع مبارك نفس الحماقة. كان الأولى بهؤلاء ناكري الجميل أن يبقوا على 'الريس' الذي لن يكون حتى سوبرمان بأفضل منه كما قال 'الأخ القائد' الذي رأى أن مبارك 'لا يستحق هذه البهدلة' فهو 'رجل فقير ومتواضع ويحبكم'. ولم ينس العقيد في حمى حماسته لمبارك أن يهين المصريين بأن رئيسهم كان 'يشحت' من أجلهم كما أهان من قبلهم التونسيين بالقول إن نساءهم كانوا يعملون خادمات في بيوت الليبيين في حين صارت الليبيات الآن هن من يعملن في بيوت التونسيين حسب زعمه.
مع ذلك هناك فرق بين بن علي ومبارك، إلى حد الآن على الأقل: بن علي كان عميلا للمخابرات الليبية منذ 1971 وقد كانت مفاجأة للغاية للرئيس بورقيبة ووزيره الأول آنذاك الهادي نويرة أن تم وضع اسمه من قبل القيادة الليبية في حكومة الوحدة بين تونس وليبيا التي ولدت ميتة عام 1974مع أنه كان نكرة تماما وقتها. هذا ما أكده وزير الداخلية التونسي في ذلك الوقت الطاهر بلخوجة وكاتب الدولة للأمن الوطني السبق محمد بنور الذي عاش في المنفي طوال الثلاث وعشرين سنة الماضية لأنه كان يعلم الكثير عن فضائح بن علي وارتباطاته الأمنية المريبة.
كما أن بن علي كان يتلقى راتبا شهريا قارا من القذافي كما صرح بذلك مؤخرا عبد الرحمان شلقم وزير خارجيته المنشق.
افتتان 'الأخ القائد' بشخصيتين مستبدتين كمبارك وبن علي لا تعني بالضرورة أنه مغرم بكل المستبدين في المطلق: أولا لأنه لم يعلن إعجابه سوى بمن رحل فبدا كمن لا يعبر عن مشاعر جياشة من هذا القبيل إلا تجاه من سقط فزادهم إعجابه هذا سقوطا على سقوط. وثانيا أن مستبدين آخرين صاروا الآن بين يدي ربهم لم يكنّ لهم العقيد إلا كل كره بغيض ويمكن هنا أن نستحضر اثنين على الأقل هما الحبيب بورقيبة وصدام حسين.
الأول لم يكن له معه إلا كل ود مفقود خاصة مع عقلية الأبوة التي كان يتصرف بها 'المجاهد الأكبر' تجاه 'قائد ثورة الفاتح العظيمة' خاصة عندما قرعه واستخف بصبيانيته السياسية في خطاب شهير عام 1974 وبحضوره وهو ما عرف بخطاب قاعة البلمريوم في تونس العاصمة. لم تعرف تونس من ليبيا زمن القذافي سوى المؤامرات والفتن وأشهرها ما جرى في قفصة عام 1980 وطرده المتكرر والمذل للعمالة التونسية خاصة عام 1986. أما الثاني فكان القذافي يمقته إلى درجة مد طهران بالصواريخ زمن الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) بشهادة شلقم كذلك. لكن ذلك لم يمنعه من الإشادة به بعد شجاعته الأسطورية في مواجهة الموت على منصة الإعدام أواخر عام 2006. أما بورقيبة فلم يحظ بثناء العقيد لا حيا ولا ميتا. من هنا نفهم أن الأخ القائد قد يعشق نوعا معينا من المستبدين شرط ألا يكونوا زعماء لأن لا زعيم غيره ولا قائد سواه ولو كره الكارهون.