بدرية البشر
تصادف، وأنا أتابع أخبار الشاب النروجي الذي فجّر قنبلة، وقتل بالرصاص ٩٣ إنساناً في النروج، أنني كنت أقرأ كتاباً عن قصة وفكر محتلي المسجد الحرام الصادر عن دار المسبار للدراسات والبحوث. ذكّرني هذا الشاب النروجي بشباب الحركات المتطرفة لدينا في السعودية، وكنت وقتها أسأل نفسي إن كان السعودي قد مرّ بصدمة أكبر من تلك الحادثة، حادثة احتلال الحرم لأسبوعين أسفرت عن احتجاز المصلين ومقتل ١٣٥ شخصاً من الطرفين، وإصابة ٢٠٠ شخص وترويع مجتمع بأكمله. وحين قرأت في فكرهم وجدت أن الذي حرّض على قتل الآخر وتكفيره، لا يتجاوز أن الصورة الشخصية حرام والمحراب في المسجد بدعة، والاعتراف بالمذاهب الأربعة بدعة. وقد بلغ من أحدهم من باب العيش على الخشونة، أن رمى تراباً في فطور زملائه وحين اعترض واحد منهم على هذا الفعل طلب منه دليلاً من القرآن والسنة. شاب آخر رفض أن يصلي خلف والده إمام المسجد حتى يتأكد من إسلامه. عبر هذا الكتاب ستكتشف أن هذا الفكر هو فكر عصابي مختل لا يدل على منهج فكري بقدر ما يدل على انحراف في الطبيعة البشرية تحتاج للعلاج بالأدوية والجلسات العلاجية قبل الحوار. وبعدها بعشرين سنةً جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي عدها البعض وتحمس لها على أنها ضربة للغرب الأميركي المسيحي ليتأدب ويتعلم. ها هو الغرب الأوروبي يتعلم الدرس ليقوم بدلاً منه شخص متطرف أقل ما يقال إنه منحرف أو مجنون يريد أن يصحح مؤسسات مجتمعه، التي تقبل المسلمين وتسهل انتشار دينهم، وتسمح لهم بممارسات شعائرهم والتساهل مع معتقداتهم، ففيمَ أخطأ هذا الشاب؟
الدروس التي يتعلمها اليوم العالم من هؤلاء المتطرفين، أشار إليها هنتنغنون في كتابه بأن صراع الحضارات المقبل هو صراع أديان. وعلى رغم أنها مجرد فرضية لكن شواهدها الحالية تتزايد، وقد رُفضت من باب رفض التفوق الغربي الفلسفي لا من باب رفض الصراع الديني. فما هو الجواب اليوم؟ ونحن المسلمين نجد أن غربياً مسيحياً يستخدم الطريقة نفسها التي يستخدمها متطرفونا، ويسمي نفسه مجاهداً بل يقول أمام المحكمة غداً إنه بفعلته هذه سيدخل جنته الموعودة، ويقابل حورياته الـ٧٢. هل هذا دليل آخر على صراع الحضارات الديني أم مجرد منطق للذهنية الإرهابية نفسها، لكن من الجهة المقابلة؟
منطق بشع وقبيح تسهل إدانته حين يستخدمه الآخر. لكن هذا الشاب النروجي، هو نفسه الشاب الذي دخل المسجد الحرام مع جهيمان، وهو الشاب نفسه الذي ركب الطائرة وفجرها بمدنييها، وهو نفسه الذي دخل المجمعات السكنية في الرياض وفجرها، وهو نفسه الذي فجّر مبنى الأمن العام، وهو نفسه الذي لم يرَ في كل هذا إدانة بل خطأ في الأسلوب، وليس في الاعتقاد. نحن أمام وجهين لمبدأ واحد، والعدل يقول عامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك، فما هو مصير هذا الذي قتل ليحارب المسلمين المدنيين، هل هو ضال أم مجرم أم مجنون؟
التعليقات