عبدالحميد الأنصاري


برر الشاب النرويجي البالغ من العمر 32 عاماً، الأشقر الشعر، ذو العينين الزرقاوين، المجزرة التي اعترف بها وذهب ضحيتها 76 مدنياً بريئاً من النرويجيين غير المئات من الجرحى، بأن هدفه هو إنقاذ أوروبا من استيلاء المسلمين عليها وحماية بلده وأوروبا من المسلمين والماركسية عبر توجيه ضربة للمجتمع وأساسياته وإداراته.
وأقر الشاب النرويجي واسمه laquo;أندروس بيرينغ برييفيكraquo;، وهو شاب أعزب ويوصف بأنه يميني مسيحي متطرف، وكان قد نشر أفكاره في 1500 صفحة على الإنترنت بأنه حضّر لهذه المجزرة منذ سنتين، وجاء في الوثيقة المنشورة تحت عنوان laquo;إعلان أوروبي للاستقلال 2083raquo;، وتحمل توقيع أندرو بيروييك، قائد فرسان العدالة laquo;إن استخدام الإرهاب وسيلة لإيقاظ الجماهيرraquo;.
وأمام المحققين قال إنه ارتكب المجزرة بمفرده ولا شركاء له، وفي حين عبر والده عن صدمته وهو يرى صورة ابنه تتصدر الصحف باعتباره laquo;سفاح أوسلوraquo;، فإن الولد العاق لأسرته ومجتمعه صرح بأنه ارتكب عملاً وحشياً لكنه أضاف بأنه كان عملاً: laquo;ضرورياً laquo;!
هذه الجريمة البشعة تسلط الأضواء على كثير من التفسيرات أو الدوافع أو المبررات التي تسوّق عقب وقوع عمل إرهابي سواء في الساحة العربية والإسلامية أو في الساحة الغربية، بل تفندها وتبين زيفها وتهافتها وتؤكد ما سبق أن أكده كتاب ومفكرون، من أن الإرهاب أساسه فكر متطرف معادٍ للحياة والأحياء، منبعه laquo;ثقافة الكراهيةraquo; التي لها مصادر كثيرة منها: نمط التربية والتنشئة الأولى أو ما يسميه المفكر السعودي إبراهيم البليهي laquo;البرمجةraquo; ونوعية التعليم ومدى انفتاحه على الثقافات الإنسانية، وتوجهات الخطاب الديني السائد، وما إذا كان متقبلاً لآخر أو متحاملاً عليه، وكذلك التحريض العنصري عبر منابر الإعلام خصوصاً الشبكة العنكبوتية، إضافة إلى طبيعة السياسات الممارسة من قبل الحكومة والأحزاب السياسية المختلفة.
وكل التحليلات والمصادر الإخبارية تشير إلى أن المسؤول عن مذبحة أوسلو، شاب أصولي مسيحي يحمل مشاعر عدائية للمهاجرين الأجانب خصوصا المسلمين، ويشارك في هذه المشاعر العدائية تيار عريض في المجتمع الأوروبي، ويرى في هذا الكم الكبير من المهاجرين إلى أوروبا خطراً يهدد مستقبل القارة الأوروبية، ويسبب خللاً في التركيبة السكانية في ضوء تكاثر العنصر الأجنبي وتناقص النسل الأوروبي.
وهم يعتقدون أن المهاجرين الأجانب، وبسبب تدفقهم على أوروبا سواء بوسائل مشروعة أو غير مشروعة، وبسبب تكاثر نسلهم وثقافاتهم التي حملوها إلى أوروبا من مجتمعاتهم الأصلية هم وراء الجرائم والسرقات والعادات والتقاليد غير المرغوبة في المجتمع الأوروبي، خصوصاً القادمين من الدول الفقيرة.
ومما ساعد على تنامي هذه المشاعر العدائية وتصاعد نفوذ اليمين المعادي للمهاجرين وانتشاره وشعبيته، حوادث الإرهاب التي وقعت في الساحة الأوروبية في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لقد كانت النزعة العنصرية التي هي بقايا الفكر النازي والفاشي تحيا على هامش المجتمع الأوروبي، لكن ظروفاً جديدة وأجواء مواتية جعلتها تنشط وتكتسب أصواتاً وأنصاراً يتزايدون يوماً بعد آخر إلى أن أصبح اليمين المتطرف مشاركاً في السلطة وممثلاً في البرلمانات الأوروبية، ومعارضاً بعنف سياسات الحكومات الأوروبية بذريعة أنها تتسامح مع هجرة الأجانب إلى أوروبا، فهؤلاء يريدون جنساً أوروبياً نقياً، ويخشون على العنصر الأوروبي من التلوث والانقراض على المدى الاستراتيجي.
لكن التساؤلات المطروحة على الساحة الأوروبية وفي النرويج بوجه خاص: إذا كان هذا الشاب النرويجي المتطرف معادياً للأجانب والمسلمين، فلماذا يلجأ إلى قتل أكبر عدد من بني دينه وجنسه؟! ما ذنبهم؟! ولماذا الانتقام منهم؟! لماذا تصفية شباب أبرياء لا علاقة لهم بالسياسات التي تتخذها الحكومة تجاه المهاجرين؟!
هذه التساؤلات طرحها كتاب عرب- أيضاً- من قبل، حين تساءلوا: لماذا يعمد شاب متحمس دينياً وباسم الجهاد، يلبس حزاماً ناسفاً ويفجر نفسه في مصلين أبرياء في المسجد بيت الله، أو في عمال كادحين في مطعم شعبي في بغداد، أو في محطة ركاب أو في سوق شعبي ثم يدعي أن عمله هذا جهاد ومقاومة ضد أميركا وإسرائيل؟! هؤلاء أناس مسلمون لا علاقة لهم بأميركا وإسرائيل، لماذا يذهبون ضحايا تفجيرات الإرهاب دائماً؟!
لا تفسير لهذا العمل الإجرامي عندنا وعندهم سوى أن التطرف والإرهاب لا دين لهما، وأن أعداء الإنسان والحياة يجمعهم فكر عدواني واحد بغض النظر عن جنسياتهم أو مللهم أو توجهاتهم السياسية، وهذا يثبت مرة أخرى صدق من قال إن الحضارات والثقافات لا تتصارع بل تتلاقح وتتأثر ببعضها، لكن العناصر الرديئة في كل حضارة وثقافة هي التي تتصارع وتتصادم ويذهب ضحايا أبرياء هنا وهناك، وما نحن فيه اليوم نموذج صادق لصدام العناصر المختلفة عندنا وعندهم.
laquo;مذبحة أوسلوraquo; تنسف كل الطروحات التي عللت العمل الإرهابي في ديار المسلمين بظروف الفقر والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية من ناحية، كما تنقض التفسيرات كافة التي ترجع حوادث الإرهاب إلى سياسة الكيل بمكيالين والانحياز الأميركي والمظالم الغربية والاستباحة الصهيونية من ناحية ثانية، ومن ناحية ثالثة فإن هذه العملية الكارثية غير مرتبطة بوجود قهر سياسي وغير معللة بغياب حقوق الإنسان أو البطش بالمعارضين أو ممارسات ماسة بكرامة الإنسان.
ولم تأتِ المذبحة كرد فعل لتعذيب الأجهزة الأمنية للسجناء السياسيين كما يعلل بعض الكتّاب التفجيرات الإرهابية عندنا، ولا نستطيع أن نقول إن المناخ الاجتماعي للمجتمع النرويجي مناخ تعصبي يحتضن العمل الإرهابي وفكره، كل هذه المقولات التي تبرر الإرهاب لا تصمد، لا لتفسير ولا لتبرير ولا لدوافع أمام العمل الإجرامي في النرويج.
فأولاً: مرتكب هذه العملية البشعة شاب متعلم، منفتح على العالم، يعيش اقتصادياً في أحسن مستوى ويتمتع بالحقوق السياسية كافة. وثانياً: المجتمع النرويجي مجتمع متسامح ومتقدم وتعددي سياسياً وثقافياً، وأوسلو إحدى أكثر العواصم الأوروبية قبولاً للآخر، ويعد الإسلام ثاني أكثر الأديان انتشاراً هناك، ولدى النرويج ثروة نفطية غنية ومعدلات البطالة منخفضة. وثالثاً: عدد السكان في النرويج 5 ملايين ويعيش فيها نصف مليون مهاجر أي ما يمثل 10% نصفهم أوروبيون، وهي نسبة لا تستدعي التخوف من الأجانب ولا تبرر الفزع على الهوية والتركيبة السكانية كما يحاول ترويجه تحالف اليمين الأوروبي المتطرف تحت شعارات محاربة laquo;أسلمة أوروباraquo; ومنع بناء المساجد في المدن الأوروبية، ومكافحة انتشار الإسلام في أوروبا، وذلك بهدف بث الذعر في النفسية المجتمعية والحصول على مزيد من الأصوات الانتخابية.
الآن: كيف تعالج النرويج والدول الأوروبية الإيديولوجية اليمينية المتطرفة التي تشكل خطورة كبيرة على مجتمعاتها؟ قالت المفوضية الأوروبية في بروكسل: إن هناك قناعة لدى الاتحاد الأوروبي، بدوله ومؤسساته بضرورة العمل على تطويق التيارات المتطرفة، وهناك مقترحات وإجراءات يجري تحضيرها في سبتمبر المقبل من أجل محاربة الخطاب المتطرف بدءاً بمحاربة تجنيد المتطرفين ومروراً بملاحقة موادهم الدعائية بكل الوسائل.
ويبقى أن نقول إنه من الطريف أن النائب اليميني المتطرف في هولندا: غيرث فيلدرز، أكبر ناشط معادٍ للإسلام، تبرأ من فعلة برييفك وقال إنه شخص مختل مهمش! والأطرف أن الشرطة النرويجية كانت تتوقع هجوماً إسلامياً على أراضيها وكانت تستبعد خطورة اليمين المتطرف فأتاها العذاب من حيث لم تحسب له حساباً، تماماً كما حصل عندنا.