عبدالسلام اليمني


للرجولة والفروسية صولات وجولات، وامتداد تاريخي تجذر في الشام وأهلها، وللبيت الدمشقي سحر تحطمت أمامه خزعبلات فسوق وهرطقات أزياء العمارة الإيطالية والفرنسية والأميركية.

البيوت الدمشقية على رغم جاهلية هجرانها لا تزال عظيمة بعمارتها، عنواناً لحياة الوحدة والأسرة والدفء، حديقتها المتربعة في وسط الدار الغنية بالأزهار والورود والأشجار المثمرة، عطر يتدفق بالحياة وملاذ آمن للسكينة والوقار.

الحارة الدمشقية منذ القدم أُسست على تقوى البساطة والمحبة والطيبة والتكافل والتسامح، وعند الشدة يرتجف العدو الغادر من صهيل خيول الفروسية والبطولة، وlaquo;دبكةraquo; رجال تهز الأرض في الأفراح والمسرات.

سطوة الزمن الرديء في السياسة ورؤوس الأموال، قلّبت المراجل واجتثت الشوارب وlaquo;علمنتraquo; العقول، ولَمّعت البيوت الدمشقية لتبقى مزاراً لسيّاح من الغرب والشرق يهزّون الرؤوس من تاريخ يحكيه وينشده نادل في هيئة الجذب السياحي.

ألقت الحركة الانقلابية التصحيحية بـlaquo;يا عيب الشومraquo; في بئر معطلة، أخرجها مؤرخو الحزب الواحد محرفة المعاني والاستخدام، وأصبح التصرف غير اللائق وغير السوي قولاً وفعلاً هو ما يتعارض مع مبادئ الحزب، ويقف أمام أهل الحزب ويستنكر اعوجاج أعضاء الحزب المباح!

يُحكى من قصص الزمانات أن laquo;الشومraquo; ورد جميل ينبت في صحراء الشام، داعبته فتاة بدوية بيدها فتناثرت ألوان من رحيق الورد على فستانها، حاولت إزالة الألوان من على الفستان فلم تستطع، عَلّقت الفتاة الخجلى على الموقف بعبارة تفوح برائحة نقاء الصحراء laquo;يا عيب الشومraquo; ساحرة أخاذة في المعنى واللفظ والمناسبة، فكان لا بد لها من أن تنتشر بين أهل الشام حتى أصبحت من الأقوال الشامية والعربية المأثورة للتعبير عن التأنيب بفعل أو قول سيئ وغير لائق.

شاهدت على شاشة التلفاز نهاية الأسبوع الماضي رجالاً من الجيش السوري في مدينة حمص، وقد تجمعوا حول رجل اشتعل رأسه شيباً، وأخذ كل واحد منهم يطبق أقسى همجية الركل والرفس واللكمات الخطافية الطائرة على مختلف أنحاء جسد المواطن المسجون في الوطن منذ أمد بعيد، يتنافسون ويتسابقون بصلف بهيمي أمام رؤسائهم لإثبات الولاء والطاعة العمياء، وبعد أن سقط المواطن الشريف على الأرض جثة هامدة اصطف الجنود وقوفاً على جسده تعلو وجوههم الابتسامات وهم يرفعون علامات النصر المؤزر على جثة ابن من أبناء وطنهم؟!

احتفالهم عار عليهم، وجسدك أيها الشريف أسهل عليهم من رفع علامات النصر على أرض مغتصبة في هضبة الجولان، جريمتك التي اقترفتَها لسانُ صدق نطق بالحرية والعتق من نار الظلم والقهر والفساد السلطوي، وصوت شجي مسالم يتغنى بأبسط حقوق الإنسان للعيش على كوكب الأرض، لكنه عند العرب وفي قاموس وملة العرب عيب ومنكر يستحق التنكيل والعذاب المرير!

دفن الشعب السوري العظيم في التراب مهزلة توريث أول جمهورية عربية، وتجرع مرارة اغتصاب السلطة واستمرار هيمنة الحزب الواحد على أمل انفراج لحرق مراحل الزمن المتوقفة في الدرك الأسفل، نظر الشعب في الطبيب ومعه، لمستقبل يأتي من عمق مهنة عُرّفَت أصولُها ومفاهيمها بمبادئ وقيم وأخلاق وإنسانية، لطي حقبة حكم التبعية بالحديد والنار، والانطلاق نحو آفاق المشاركة في بناء الوطن تعيد لسورية والشام ابتسامة الشرق وحضارته.

تطلع الشعب السوري للمستقبل بعيون طبيب، أصابها الرمد الحزبي المزمن سريعاً فضعف البصر وضاعت البصيرة، فكانت الحرب الشرسة على التمدد الناعم للتعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق والعدالة الاجتماعية، في زمن انتفض فيه الشباب والشابات على وصمة عار العيش على طريقة تشاوسيسكو الرومانية!

laquo;صمتكم يُقلقناraquo;، رسالة وجهها الشعب السوري لأشقائه العرب يوم الجمعة الماضية ولا مجيب أو مستجيب، وأتساءل، متى كان الكلام أو الموقف العربي إيجابياً وفاعلاً ومفيداً حتى يكون صمته مقلقاً أو قاتلاً، ضياع الأرض والقضية الفلسطينية كان من أسبابه الاتكالية على العرب، وبعد حديث laquo;العربيraquo; الأمين العام الجديد للجامعة العربية في دمشق قبل أسابيع، من المناسب أن تكون رسالتكم الموجهة للحكومات العربية laquo;صمتكم يشد من أزرناraquo;، الصمت حكمة وقليل فاعله، وربما يكون الصمت العربي هذه المرة أعظم إنجاز يتحقق من دون إرادة أو تخطيط.

تسلم العسكر مهمة القمع وإخماد الأصوات بعقيدة لا تعترف بالدساتير والمواثيق والقوانين؛ الأوامر برزخ يعيشون فيه ومن أجله، وlaquo;حاضر سيديraquo;، وlaquo;أمرك سيديraquo;، أناشيد الصباح والتحايا في المساء، العسكر العرب الذين رأيناهم في مواجهة الثورات العربية، تعلموا كل شيء بالمقلوب في معاهدهم وكلياتهم العسكرية، ولو طلبت من أحدهم في بلاد الشام أن يوضح لك معنى laquo;يا عيب الشومraquo;، فسيحدثك عن الحكاية بمضمون وثقافة الولاء والطاعة في الكتب العسكرية، وسيخبرك أن الشوم أجمل ورد ينبت في صحراء الشام، منظره جذاب ورائحته زكية، والشوم هم الرئيس وأعضاء الحكومة والحزب، والعيب والردى والعمل السيئ هو ما يفعله الثوار من الشعب ضد ألطف وأرق ورد في