خيرالله خيرالله

من اطرف ما يمكن ان يسمعه المرء او ان يقرأه هذه الايام النص المرتبط بقانون الاحزاب الذي اقرّه مجلس الوزراء السوري قبل ايام. في حال كان على المرء ان يكون منصفا، فان مشروع القانون جيّد عموما ويستجيب لما يمكن ان تكون عليه القوانين في دولة حديثة تسعى الى ان تكون ديموقراطية. الأكيد ان هناك ما هو في حاجة الى توضيح على وجه السرعة. هل لا يزال حزب البعث الحزب quot;القائدquot; بموجب الدستور المعمول به والذي لم يعدّل بعد؟
في حال كان قانون الاحزاب خاضعا للدستور، لا حاجة الى الكلام عن اصلاحات في سوريا ما دام الدستور يعلو على القانون، اي قانون، ويتجاوزه. كل ذلك يدل على ان لا رغبة في اصلاحات حقيقية نظرا الى ان النظام المعمول به غير قابل للاصلاح اصلا. كلّ ما في الامر ان هناك محاولة للضحك على المواطن العادي الذي يعرف تماما طبيعة النظام الذي يتعاطى معه. هذا المواطن ما كان ليقوم بثورته المستمرة منذ ما يزيد على اربعة اشهر لو كانت لديه اي قناعة من اي نوع كان بانّ النظام السوري قادر على اصلاح نفسه.
حسنا، لنضع جانبا الكلام عن قانون عصري للاحزاب في سوريا فيما الدستور فيها لا يزال على حاله ويدعو الى هيمنة حزب متخلف مثل حزب البعث على الحياة السياسية في البلد. ماذا عن طريقة تعامل النظام السوري مع لبنان والحياة السياسية في لبنان؟ هل يمكن لنظام في دمشق ان يكون ديموقراطيا وان يدعم في الوقت نفسه احزابا شمولية لا علاقة لها باي نوع من الديموقراطية من قريب او بعيد في بلد جار؟
هل يمكن لنظام ديموقراطي في سوريا ان يقف على رجليه وان يكون في الوقت نفسه متحالفا مع حزب لا يؤمن سوى بالسلاح وبفرض رأيه على الآخر عن طريق السلاح؟ اكثر من ذلك، هل يمكن ان تكون سوريا ديموقراطية وان تكون تحت رحمة حزب معاد لها ولا يؤمن بها اصلا؟
تقول وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا) ان مجلس الوزراء quot;اقرّ مشروع قانون الاحزاب في سوريا وذلك في اطار ترجمة توجهات برنامج الاصلاح السياسي وبهدف اغناء الحياة السياسية وتنشيطها والمشاركة في مسؤولياتها وتداول السلطةquot;. واضافت ان مشروع القانون quot;يمنع قيام اي حزب على اساس ديني او قبلي او مناطقي او فئوي او مهني على اساس التمييز بسبب العرق او الجنس او اللون quot; كما يحظر ان يكون الحزبquot; فرعا او تابعا لتنظيم او حزب سياسي غير سوريquot;. وتابعت الوكالة الرسمية السورية ان من الشروط المفروضة بموجب مشروع القانون لتأسيس اي حزب quot;التزامه احكام الدستور ومبادئ الديموقراطية وسيادة القانون واحترام الحريات والحقوق الاساسية والاعلانات العالمية لحقوق الانسان والاتفاقات المصدق عليها من الجمهورية العربية السوريةquot;. واشارت الى انه quot;يشترط ان يحافظ الحزب على وحدة الوطن وترسيخ الوحدة الوطنية للمجتمع وان تكون مبادئه علنية، كذلك اهدافه ووسائله ومصادر تمويله وان تتم تشكيلات الحزب واختيار هيئاته القيادية ومباشرته نشاطاته على اساس ديموقراطي، وان لا تنطوي وسائل الحزب على اقامة اي تشكيلات عسكرية او شبه عسكرية علنية او سرية او استخدام العنف بكل اشكاله او التهديد به او التحريض عليهquot;.
كيف يمكن للنظام السوري فرض كل هذه الشروط على اي حزب جديد في سوريا وان يكون في الوقت ذاته حليفا، بل تحت رحمة حزب يرفض كليا كل هذه الشروط ويعاديها. هل يكفي ان يكون مثل هذا الحزب في لبنان حتى يصبح مقبولا في سوريا؟ ان كل كلمة تضمنها قانون الاحزاب الذي اقرّه مجلس الوزراء السوري على تناقض تام مع ما يمثله quot;حزب اللهquot; الذي تحول الى راس حربة النظام السوري في لبنان وحاميه. كيف يمكن لنظام القيام باصلاحات ما دام كل همه محصور في التعاطي مع حزب مذهبي ومناطقي وطائفي لديه ميليشيا مسلحة، بل هو ميليشيا مسلحة، ويشكل لواء في quot;الحرس الثوري الايرانيquot;. ليس ما يدعو بالطبع الى التساؤل عن مصادر تمويل هذا الحزب وهل هي لبنانية ام لا؟ ما الذي يدفع النظام السوري الى اعتبار الحزب المذهبي حراما على سوريا وحلالا على لبنان؟
مرة اخرى، يتبين ان البهلوانيات شيء والسياسة شيء آخر. لا يمكن اتباع سياسة ذات صدقية تحظى باحترام المجتمع الدولي واعتماد البهلوانيات في الوقت ذاته. لا يمكن الاعتماد على ميليشيا مذهبية حزبية في لبنان للقيام بانقلاب في هذا البلد وتحريم مثل هذا النوع من الاحزاب في سوريا. يفترض في من يدعم احزابا مذهبية وطائفية تمتلك ميليشيات وسلاحا في لبنان ان لا يتفاجأ بان هذا الدعم سيرتد عليه يوما.
من حسن الحظ ان الشعب السوري يعتمد الوسائل السلمية في مواجهته مع النظام. ما قام به حتى الآن، من خلال ثورته، يؤكد انه لن يسقط في لعبة اللجوء الى السلاح وانه سسيستمر في رفض الازدواجية بكل وجوهها. ما يريد الشعب السوري قوله ان ليس في استطاعة النظام في دمشق ان يكون ضد المذهبية والطائفية في سوريا وان يكون معها في لبنان وانه لا يستطيع ان يكون ضد الاحزاب المسلحة في سوريا وان يكون معها في لبنان. نعم ثمة فارق بين السياسة والبهلوانيات!