عدنان حسين


عندما توفيت الأميرة ديانا منذ أربع عشرة سنة (31 آب 1997) في الحادث المفجع المعروف أصيبت الأمة البريطانية بصدمة شاملة لم تعرف لها مثيلا منذ الحرب العالمية الثانية، فالأميرة أسرت قلوب البريطانيين جميعاً تقريباً بتواضعها الجمّ وابتسامتها الساحرة، وظلّت أميرة لقلوبهم حتى بعد خروجها من العائلة المالكة بطلاقها من العهد الأمير تشارلز.

توقّع البريطانيون المفجوعون أن تواسيهم ملكتهم اليزابيث الثانية بكلمة في الحال، بيد أن الملكة لم تظهر لتعزّيهم لا في اليوم الأول ولا الثاني ولا الثالث.. كادت الأمة البريطانية أن تنفجر من الغيظ، فسوّدت واحدة من أهم صحفهم اليومية صفحتها الأولى بالخط العريض: quot;قولي شيئاً يا أمنا!quot;، ما اضطر اليزابيث الثانية إلى النزول من عليائها لتواسي أمتها الحزينة بكلمة متلفزة وسمحت لحفيديها، إبني ديانا، بالنزول هم أيضاً إلى حيث كان يصطف البريطانيين بعشرات الآلاف لوضع الزهور عند جدران قصر الأميرة الراحلة.
تذكّرت هذا، وكنت بين شهوده المباشرين، وأنا أقرأ إن الشاعر البصري المبدع كاظم الحجاج اعتكف في منزله حتى الموت احتجاجاً على الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي في مدينته، مبدياً اعتذاره عن عدم الرد على اتصالات أصدقائه وهذا الخبر جاء بعد الخبر عن مقتل صاحب مولدة أهلية في العاصمة بغداد هجم عليه المشتركون لديه بعد أن رفض تشغيل المولدة في ظهيرة يوم كافر الحرارة. وللتذكير فان أهل البصرة خرجوا قبل سنة في مسيرة تشييع رمزي للكهرباء تحوّلت إلى تظاهرة غاضبة وحانقة على الحكومة التي أكثرت من وعودها بحل المشكلة، لكن ما حدث بعد ذلك هو توالي الأخبار عن قصص الفساد المهولة.
والخبران يترافقان مع معلومات تتداول عبر مواقع الانترنت والبريد الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي عن شبهات فساد تحوم حول آخر عقدين وقعتهما وزارة الكهرباء مع شركتين كندية وألمانية. ومنبع الشبهة أن الشركة الكندية لا تاريخ ولا جغرافيا معتبرين لها مع أن قيمة العقد معها 1.2 مليار دولار، والشركة الألمانية كانت قد أعلنت إفلاسها قبل عدة أشهر من التوقيع مع الوزارة على العقد الذي قيمته نحو 625 مليون دولار.
ومن المفروض أن يكون رئيس الوزراء على علم مباشر بهذه المعلومات فقد بادر الدكتور جواد هاشم وزير التخطيط ومحافظ البنك المركزي الأسبق المنفي في كندا بإرسال رسالة مفصلة إلى رئيس الوزراء عبر الناطق باسم الحكومة علي الدباغ، وبعث بنسخ منها إلى رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار الدكتور سامي الاعرجي ومحافظ البنك المركزي الدكتور سنان الشبيبي، والى آخرين غيرهم بينهم كاتب هذه السطور.
وتترافق هذه الأخبار والمعلومات مع تأكيد عضو لجنة النفط والطاقة في مجلس النواب عن التحالف الوطني عدي عواد أن quot;وزارة الكهرباء فشلت بنسبة 100% في تنفيذ خطة الطوارئ التي أطلقتها في نيسان الماضيquot;.
ويترافق هذا كله مع كشف نائب آخر عن التحالف الوطني أيضاً، هو عزيز كاظم علوان العكيلي، بعض ما دار في جلسة الاستضافة النيابية لنائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني ووزير الكهرباء رعد شلال، حيث وجه النواب أسئلة أفادت بان quot;وحدات الكهرباء الإنتاجية التي خصصت إلى المحافظات عام 2008 ظلت متروكة في العراءquot;، وان quot;سفينتين لإنتاج وتوليد الكهرباء في البصرة (جلبتا) على أن تنتج الواحدة منها 125 ميغاواط، إلا إنها أنتجت 25 ميغاواط وذهبت(طارت) المئة!quot;.
العراقيون جميعاً ينشوون على نار مُستعرة في صيف لاهب، يصدمهم هذا الدفق الثقيل من الأخبار والمعلومات الصارخة، والحكومة صامتة كأنما الكلام يدور عن الصومال أو الفليبين فلا يعنيها في شيء من قريب أو بعيد!
قولي شيئاً يا الحكومة المُفترض أنها أم الشعب!