محمد العبادي

إن صحت الأخبار فسيخرج الليبراليون والعلمانيون المصريون وشريحة من الأقباط وما تبقى من الشيوعيين والقوميين مدعومين بالصوفيين، وتحديدا من الطريقة العزمية في تظاهرة الجمعة المقبلة للدفاع عن laquo;الدولة المدنيةraquo; للرد على الجمعة التي قبلها، والتي هيمن فيها الإسلاميون ورفع فيها التيار السلفي شعارات تدعو لتطبيق الشريعة.
يظهر الأمر من الوهلة الأولى وكأن في مشاركة الصوفية شكلا جديدا من أشكال سجالها التاريخي وخلافاتها حتى لا نقول من صراعاتها مع التيار السلفي بمختلف حساسياته، لكن الظرفية الحالية التي تمر بها مصر تشير إلى أن الأمر تحركه دوافع سياسية توظف الخلافات الدينية.
لكن السؤال المطروح من الذي حرك الصوفية وأقنعهم بالمشاركة في تظاهرة الجمعة المقبلة، التي يراد لها أن تكون مليونية؟ هل هم الصوفيون ذاتهم من اتخذ المبادرة أم أن العلمانيين والليبراليين أقنعوهم بذلك لمواجهة الأصوليين على حد تعبيرهم؟ أم أن طرفا ثالثا دخل على الخط، وأخرج الصوفية من حلق الذكر وأدخلها لـ laquo;معمعةraquo; السياسية؟
الجواب على هذه الأسئلة يقتضي تذكر أمرين رئيسيين:
الأول: الدراستان اللتان صدرتا في النصف الأول من شهر أبريل الماضي عن معهد واشنطن لدراسة الشرق الأدنى، وقدمتا معا للكونغرس الأميركي ينصح مدير المركز روبرت ساتلوف في الأولى صانعي القرار الأميركيين بالضغط بشكل سري على المجلس العسكري لتمرير قوانين انتخابية لا تسمح بوصول الإسلاميين بمختلف تياراتهم إلى الحكم في مصر، مؤكداً أنهم سواء معتدلهم ومتشددهم يهدد مصالح أميركا وسياساتها في المنطقة.
ونصح ديفيد شينكر في الدراسة الثانية بدعم الليبراليين والعلمانيين بمصر في مواجهة الإسلاميين، وذلك من خلال عدد من الآليات منها، دعم المجلس العسكري باستمرار المعونات، والعمل على تشكيل حكومة بقيادة الليبراليين، ومساعدتها بالاستثمار لإظهار نجاحها وعدم منح الإسلاميين فرصة استغلال أي ضعف للركوب عليه، وذلك حتى تظل مصر حليفا موثوقا به وفاعلا إقليميا منسجما مع سياسة أميركا ومصالحها في المنطقة.
الثاني: التقارب الأميركي الصوفي إذا صح التعبير، وحديث بعض وسائل الإعلام المصرية عن دعم أميركي لعلي جمعة مفتي مصر (بتوجهاته الصوفية) لتولي مشيخة الأزهر خلفا للدكتور الطيب لكونه مرنا مع السلفيين، وهو ما يفسر الهجوم الإعلامي للشيخ جمعة مؤخرا على التيار المذكور في أكثر من منبر.
وبغض النظر عن القراءات السياسية للوضع المصري التي تذهب إلى أن الإدارة الأميركية لا تكتفي بالتفرج على ما يجري بل لها خطة حتى لا تفلت الأمور من حليفها الكبير في المنطقة، من قبيل إشغال الإسلاميين والتيار الديني عموما في خلافاتهم الداخلية وخلافاتهم البينية وإبرازها إعلاميا، والحيلولة دون أي صيغة من صيغ الاتفاق السياسي بينهم بشكل يجعلهم قوة سياسية كبيرة، ودفع حزب الوفد للواجهة ليكون بديلا للحزب الوطني
رغم ذلك كله وبغض النظر عن صحة تلك القراءات أو خطئها فإن ما هو مؤكد أن مراكز ومؤسسات بحثية أميركية دفعت الأميركيين باتجاه اعتبار الصوفية حليفا وورقة يمكن استخدامها في العالم العربي والإسلامي لمواجهة نفوذ الإسلاميين الحركيين المعتدلين الوسطيين في المشهد السياسي أو المتشددين في الشارع والمجتمع، وذلك بتقوية التيار الصوفي بأساليب عدة على رأسها الإعلام.
وأكتفي هنا بذكر مؤسستين بحثيتين من أصل عشرات المؤسسات والمراكز الأميركية التي اشتغلت على الموضوع، ويتعلق الأمر بكل من مؤسسة راند التي أصدرت ثلاث دراسات في الموضوع الأول سنة 2003 تحت عنوان laquo;الإسلام المدني الديمقراطيraquo; والثانية سنة 2007 تحت عنوان laquo;بناء شبكات إسلامية معتدلةraquo;، والثالثة سنة 2009 بعنوان laquo;الإسلام الراديكالي في شرق إفريقياraquo;، ومركز نيكسون للدراسات الذي ناقش وتداول عشرات البحوث في ندوة علمية كبيرة نظمها في شهر مارس 2004 بعنوان laquo;فهم الصوفية ودورها المحتمل في سياسة الولايات المتحدةraquo;، ويحمل هذا العنوان ما يحمل من الإشارات.
وهناك في مصر من المتابعين والمحللين من كان يربط بين حرص السفير الأميركي السابق بمصر فرنسيس ريتشاردوني على حضور بعض الموالد سواء مولد البدوي بطنطا أو مولد الحسن والسيدة زينب، ولقائه بمشايخ الطرق الصوفية وسلامه على بعض الحاضرين للمناسبة من عامة الناس، وبين قناعة الأميركيين بدور سياسي ممكن للصوفية في البلاد، خاصة في التصدي للإسلاميين.
باختصار شديد خروج الصوفيين الجمعة المقبلة جنبا إلى جنب مع العلمانيين والليبراليين والقوميين وما تبقى من الشيوعيين واليساريين للتظاهر بميدان التحرير، بقدر ما يشكل إن تم أحد نتائج الخطاب السياسي غير الناضج، والفاقد للحكمة لبعض مكونات الحركة الإسلامية خاصة في جمعة laquo;لم الشملraquo; الماضية، فإنه يطرح علامة استفهام كبيرة على مستقبل الثورة المصرية؟ هل ستضيع في خضم الانقسام السياسي وربما المجتمعي أو في صراع laquo;الجمعاتraquo; إذا صح التعبير؟ هل هناك فعلا أجندة خارجية تسعى لإجهاض تلك الثورة وإعادة إنتاج النظام القديم بوجوه وطرق عمل جديدة؟ وهل تملك الطرق الصوفية المصرية التي ظلت خارج حلبة السياسة لعقود مضت النفوذ داخل المجتمع لتلعب دورا معينا في الحياة العامة؟ وهل لها التجربة والحنكة التي تمكنها لدخول الصراع السياسي ولعبة التحالفات السياسية دون أن تخسر مكانتها ورصيدها في المجتمع؟ أم أن ما سبق مجرد تأويلات وأن الشعب المصري حريص على نجاح ثورته وحريص على ألا تسرق منه؟ الجمع المقبلة وحدها الكفيلة بالجواب.