أمجد عرار

ذات يوم من صيف الولايات المتحدة، نشرت صور للرئيس الأمريكي باراك أوباما، وكان حينها رئيساً منتخباً للتو، ولم يكن قد تسلّم مهام منصبه في البيت الأبيض . الصور التقطت لأوباما وهو عاري الصدر على أحد الشواطئ، وأصبحت حديث الشارع الأمريكي ووسائل إعلامه، ولا سيما الإلكترونية، التي قارنت تلك الصور بصورة شهيرة للرئيس الروسي السابق، ورئيس الوزراء الحالي، فلاديمير بوتين، وهو يصطاد السمك عاري الصدر أيضاً . نشب السؤال في الشارع الأمريكي: أيهما أكثر جاذبية أوباما أم بوتين؟


من يغوصون في إجراء مثل هذه المقارنات هم في العادة أناس يميلون إلى الهوامش، بعيداً عن القضايا الأكثر جدية وفي مقدّمها السياسة . ولو حاول هؤلاء الغوص في شخصيتي الزعيمين لاكتشفوا إلى أي حد يختلف كل منهما عن الآخر، ولما علقت في أذهانهم صورة الصدر العاري، ذلك أن كثيراً من السياسات تترك الأوطان عارية من ثوابتها، وربما من كرامتها الوطنية .


من الناحية التاريخية يبدو المطبخ الذي يصنع الزعامات في روسيا، سليلة الاتحاد السوفييتي، مختلفاً منهجياً عن نظيره في الولايات المتحدة . في الأولى كانت سيرة الزعيم حصيلة دعك وتثقيف حزبي، ومراس في السلك العسكري أو في جهاز المخابرات ldquo;كي جي بيrdquo; .


فلاديمير بوتين، وهو يلتقي في الشق الأول من اسمه مع اسم مؤسس أول دولة اشتراكية في التاريخ، فلاديمير إيليتش لينين، وخريج الجامعة التي تحمل اسم القائد السوفييتي الأول (جامعة لينينغراد) التي عاد وعمل مساعداً لرئيسها، خدم في جهاز أمن الدولة السوفييتية ldquo;كي جي بيrdquo;، ويقال إنه عمل متخفياً في جمهورية ألمانيا الديمقراطية من 1985 إلى 1990 . بوتين الذي يلقبونه بrdquo;الثعلب الماكرrdquo; تدرّج في المناصب الإدارية والأمنية حتى بلغ ذروة المجد السياسي حين انتخب في مارس/ آذار 2000 رئيساً لروسيا الاتحادية، وأعيد انتخابه في مارس ،2008 ليعود في مايو/ أيار 2008 رئيساً للوزراء .


بوتين الذي حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية، ويتقن اللغتين الإنجليزية والألمانية، أسهم في ترميم الهيبة الروسية التي أعطبت في حقبتي غورباتشوف ويلتسين، وانتشل روسيا من أحضان الغرب، وأعاد لها جزءاً كبيراً من مكانة الاتحاد السوفييتي، وانتهج، ورفيقه ميدفيديف، سياسة أعادت للأذهان حقبة الحرب الباردة، لا سيما حين خاضا حرباً حاسمة في القوقاز، فيما كان الغرب ينظر عاجزاً إلى موسكو وهي تلقّن حليفته جورجيا درساً قاسياً .


وبالإضافة إلى دوره المهم في إعادة الحيوية للاقتصاد الروسي، رسّخ بوتين نفسه كشخصية نافذة ولامعة، وكاريزما من نوع خاص لزعيم موهوب، إذ عرف، إضافة إلى نجوميته السياسية، كبطل شغوف برياضات الدفاع عن النفس، وبخاصة لعبتي السامبو والجودو .


قبل يومين كشف بوتين عن موهبة جديدة، فلم يكتف بالظهور كصائد سمك، بل كغواص نجح في استخراج إناءين أثريين من البحر الأسود، وأباح باعتزامه المشاركة في رحلة غوص جديدة برفقة عدد من علماء الآثار .


لا نعرف ما إذا أتت الأيام والسنوات المقبلة بمواهب أخرى لبوتين، لكن روسيا في عصر التوحّش الإمبريالي الحالي، ليست بحاجة إلى بوتين لاعب الجودو، ولا بوتين صياد السمك والغواص، بل إلى لاعب سياسي من طراز القادة التاريخيين، من طينة خروتشوف وأندروبوف، قادة وقفوا نداً عنيداً للإمبريالية العالمية، وأوقفوا الولايات المتحدة عند حدّها وأحبطوا مغامرات كادت تجر العالم إلى حرب كونية ثالثة، ومنعوا واشنطن وحلفاءها من الاستقواء على الشعوب الضعيفة . فهل يغوص بوتين في بحر تاريخه ليعود بما يعيد روسيا إلى القطب المضاد للعربدة الإمبريالية؟