هآرتس
حر في بغداد. درجة الحرارة وصلت هذا الاسبوع الى 46 درجة مئوية. اقل قليلا من 51 درجة سجلت في المدينة الاسبوع الماضي. حر أيضا في الساحة السياسية. بعد نحو سنة ونصف السنة من الانتخابات، الحكومة الضخمة التي ضمت حتى وقت أخير مضى 46 وزيرا، الى أن قرر البرلمان الغاء 17 حقيقة، لا تزال تجد صعوبة في اداء مهامها. الخلاف الكبير هو على صلاحيات المجلس الاعلى للسياسة، الذي سيترأسه اياد علاوي وسيقضم من صلاحيات رئيس الوزراء.
ولكن هذا خلاف لا يعني المواطنين على نحو خاص، وهم الذين يجدون أنفسهم بلا كهرباء في ساعات الحر، حين تتوقف المكيفات عن العمل ومكيف الثلاجة ينضج ببطء. ومع ان الحكومة قررت منح مساعدة مالية لاصحاب المولدات الخاصة شريطة أن يتعهدوا بتوريد 12 ساعة كهرباء في اليوم الا ان المال لم يصل بعد وليس واضحا متى سيصل. كما ان اقامة محطات توليد طاقة جديدة تتأخر. اتفاقات لبناء محطات جديدة وقع عليها وزير الكهرباء رعد شلال مع شركتين، المانية وكندية، الغاها رئيس الوزراء نور المالكي الذي أقال الوزير. تبين أن هاتين الشركتين موجودتان على الورق اساسا. ولكن العراق، الذي اختفى في الاشهر الاخيرة عن الرادار الاعلامي العالمي بسبب الثورات في الدول العربية كفيل بان يتحول قريبا الى بؤرة حارة للسياسة الاقليمية. إذ أنه عندما يكافح نظام بشار الاسد في سبيل وجوده، فان ايران كفيلة بان تبحث لها عن بديل استراتيجي في دولة توشك الولايات المتحدة على اخلائها تماما في نهاية السنة. 'عندما احتلت الولايات المتحدة العراق لم تفعل سوى الخير لايران'، قال الاسبوع الماضي نائب الرئيس العراقي، طارق الهاشمي، 'فقد حققت فيه نفوذا لم تحلم به ابدا'.
العراق هو شريك تجاري ثالث في حجمه مع ايران بعد الصين ودولة اتحاد الامارات، حيث يبلغ حجم التجارة بين الدولتين الى نحو ثماني مليار دولار والاستثمار فيها يزداد ويتسع فقط. في الاسبوع الماضي وقعت ايران على اتفاق لاقامة انبوب غاز بطول نحو 2.500كم، يربط بينها وبين سورية ويمر عبر العراق. لايران توجد ممثليات دبلوماسية في المدن العراقية الكبرى، وهي تمول مشاريع مدنية في أرجاء الدولة الى جانب تدخلها في السياسة العراقية الداخلية.
'العراق هو دولة ذات سيادة وهو لن يخضع لاي دولة اخرى'، صرح الهاشمي ولكن هو ايضا يعترف بان لايران نفوذ هائل على سياسة العراق. وهكذا مثلا، بضغط من ايران امتنعت الحكومة العراقية منذ اذار عن شجب القمع العنيف للمظاهرات في سورية. واكتفت بمطلب 'الوصول الى حوار مع المعارضة'، وفقط في الاسبوع الماضي دعت الطرفين، الحكومة السورية و 'العصابات المسلحة' (كما تسمي سورية المتظاهرين) بالامتناع عن سفك الدماء. بالمقابل، فان جموع الشيعة العراقيين خرجوا - بتشجيع من ايران الى مظاهرات كبرى ضد التدخل العسكري السعودي في البحرين.
يعيش العراق بين فكي تعلقه بايران وتطلعه الى أن يكون جزءا من العالم العربي. وهكذا مثلا فان انبوب الغاز المستقبلي هو صفقة لا يمكن للعراق أن يعارضها، وان كان من شأنه أن يورطه مع مواطنيه السنة الذين يخشون من النفوذ الزائد لايران. ممثلون عن السنة من المناطق التي سيمر بها الانبوب قالوا للصحافيين الاجانب انهم لن يسمحوا للصفقة بالتحقق وان الانبوب سيعاني من العمليات المضادة. ولكن أعمالا تخريبية كهذه، كما يخشى العراق، من شأنها أن تدفع ايران الى المطالبة بمرابطة قوات حماية خاصة بها على طوله وهكذا يصبح التواجد العسكري الايراني في العراق حقيقة هو الاخر.
العراق، الذي يخشى نفسه من تسلل المعركة في سورية الى أراضيه، حفر قناة دفاعية بطول 45 كم وبعمق 3 امتار كي يمنع عبور الاشخاص والمركبات من سورية الى العراق. فالعراق لا يخاف اللاجئين بل يخاف عناصر ارهابية من شأنها أن تدخل العراق اذا ما وعندما ينهار النظام السوري او عندما يكف الجيش السوري عن الرقابة على ما يجري على الحدود. أما اليوم فيراقب هذه الحدود التي يبلغ طولها أكثر من 1.100كم، نحو 7.500 جندي فقط. في نفس الوقت، فان العراق مطالب من ايران بان ينقل مساعدة مالية الى النظام السوري لمنع انهياره الاقتصادي.
لايران يوجد منافس اقتصادي شديد القوة تركيا، التي حجم تجارتها مع العراق يصل الى 11 مليار دولار. المنافسة على السوق العراقية وفرت حتى الان سببا وجيها للدولتين لعقد اتفاقات مشتركة بينهما ومع العراق. ففي الشهر الماضي فقط وقع بين الدول الثلاث اتفاق لاقامة بنك مشترك باستثمار 200 مليون دولار، وأعلنت الدولتان، ايران وتركيا، عن نيتهما زيادة التجارة بينهما الى نحو 30 مليار دولار في السنوات الخمس القريبة القادمة.
عندنا وقع الاتفاق، كانت تركيا لا تزال واثقة من أنها ستنجح في اقناع الاسد بتطبيق اصلاحات وهكذا تحقق الهدوء في الدولة. في هذه الاثناء تدهورت العلاقات بين الدولتين وبدأت تركيا تتنكر للاسد فأدت بذلك الى تصعيد اللهجة ضدها في طهران، التي تتهمها بـ 'المقاولة للسياسة الامريكية'. المصالح الاقتصادية بين تركيا وايران متينة، ولكن ساحة الصراع بينهما قد تنتقل الى العراق المتعلق بهما كلتيهما. تركيا اتخذت قرارا استراتيجيا بالوقوف ضد الاسد، والسؤال هو ماذا ستفعل ايران. هل المصالح السياسية والاقتصادية التي لايران في العراق ستدفعها لان تهجر الاسد وتحقق سيطرتها على العراق والحفاظ على علاقاتها الطيبة مع تركيا أم ربما الايديولوجيا والقلق على حزب الله سيتغلبان؟
- آخر تحديث :
التعليقات