ياسر سعد الدين

الأحداث المتتالية والمتتابعة في سوريا أماطت اللثام عن كثير من الحقائق وأسقطت العديد من الأقنعة. فقد هوى من كان يتغنى بحقوق الإنسان وحريته وحقه المشروع في المقاومة وهو يصطف إلى جانب الطغاة ويصفق للقتلة. وسقط الذين كانوا يتظاهرون من مثقفي اليسار في شوارع الأردن في سبيل الإصلاح ليشدوا الرحال إلى دمشق لمناصرة القاتل والسفاح. ولأن الثورة السورية شعبية بالدرجة الأولى لا يقودها حزب ولا جماعة ولا ترتبط بأفكار معينة، بل هي عفوية ذات أبعاد إنسانية. تتميز عن غيرها من الثورات بأن تأثيرها في الخارج -إقليميا ودوليا- أكبر بكثير من تأثير الخارج بها إن كان له أدنى تأثير، فإن معاداتها والوقوف بالجانب الآخر دعما للاستبداد والاستعباد يشكل مفصلا فاضحا وعارا أخلاقيا على من يفعله ويقترفه.
الخاسرون والساقطون بفعل الثورة السورية وصمودها وتضحياتها متنوعون، منهم أدعياء المقاومة وعلماء دين ومثقفون وإن كانوا أقلية منبوذة في الضمير والشارع العربي. ولعل أكثر من عرته الثورة السلمية الحكومة العراقية والتي أظهرت وجها طائفيا مقيتا وكشفت عن نفاق صارخ وازدواجية مثيرة للسخرية والاشمئزاز. فالحكومة العراقية والتي يتباهى كثير من رموزها بدورهم في اجتثاث البعث، تستميت من أجل إبقاء حكم البعث الدموي في دمشق. والعراق والذي يفترض أنه منارة للديمقراطية في المنطقة وأنه ملهم لشعوبها في حرية التعبير والمشاركة السياسية، هو الدولة العربية الوحيدة والتي تجاهر وبصفاقة منقطعة النظير بدعم نظام قاتل في مواجهة شعب أعزل يطالب بحريته واسترداد كرامته وحقوق المشاركة السياسية.
مواقف عراقية مستغربة وتثير تساؤلات جدية وخطيرة عن المواقف السياسية المعلنة من حكومات وجهات في المنطقة أدمنت ممارسة التقية السياسية، على شاكلة نظام الأسد والذي فرط في الجولان وحرس أمن حدود الدولة العبرية وهو في الوقت نفسه أعلى صوتا فيمن يجعجع في المقاومة والممانعة. ففي ظاهر الأحداث أن نظام بشار كان يدعم المقاومة العراقية وأن حكومة المالكي كانت توجه الاتهامات إليه بدعم الإرهاب والذي يضرب العراق ليحول بينه وبين مساره الديمقراطي العجيب!! آخر الزوبعات الإعلامية كانت في صيف 2009، حين تعرضت مبان حكومية عراقية لتفجيرات متزامنة، وقتها اتهم المالكي حكومة بشار بالوقوف خلف تلك التفجيرات وهدد بسوقها ومحاسبتها أمام مجلس الأمن. ومع كل ذلك فإن حكومة المالكي والتي تتوجه بقبلتها السياسية إلى قم حين جد الجد وواجه نظام الأسد خيار السقوط انتفضت لتعلن دعما حماسيا منقطع النظير لنظام البعث في دمشق، فقد صرح المالكي أكثر من مرة أن نظام الأسد ركيزة هامة لاستقرار المنطقة.
ومع ارتفاع الأصوات المنددة عالميا وإقليميا بجرائم الأسد الوحشية والدعوة إلى معاقبة نظامه ومحاصرته اقتصاديا، سارعت حكومة المالكي لإبرام اتفاقيات ومعاهدات مع حكومة تترنح بفعل الإرادة الشعبية، بل إن تقارير صحافية ذكرت أن العراق دعم نظام الأسد بعشرة مليار دولار. وكان وليد المعلم قد زار بغداد في مطلع يونيو للحصول على دعم مادي كما صرحت مصادر سورية رسمية. مواقف الحكومة العراقية اتسمت بمجافاتها للمنطق والعقل، فهذا المالكي يحمل المتظاهرين المسؤولية ويقول في مقابلة تلفزيونية إن على المتظاهرين التعبير عن سخطهم عبر الآليات الديمقراطية لا أعمال الشغب.
غير أن أغرب المواقف العراقية كانت لشاكر الدراجي، عضو ائتلاف دولة القانون، والذي أعلن فيه اكتشافه الفريد أن المتظاهرين السوريين من تنظيم القاعدة، وأن إسرائيل ودول الخليج العربي وراء هذه المظاهرات. وأوضح المكتشف الكبير أنه إذا تمت الإطاحة بنظام الأسد سيتولى أفراد تنظيم القاعدة السلطة وسيستخدمون سوريا لشن هجمات على العراق والمنطقة. وبحسب الدراجي، يستهدف مخطط إسرائيل ودول الخليج العربي استغلال الاختلافات الطائفية بين الأسرة الشيعية الحاكمة في سوريا والأكثرية من السنة لصالحهم.
اللافت أن هذه التصريحات لم يتجرأ حتى الإعلام السوري والمشهور بأكاذيبه الصارخة على ذكرها. فهل من المعقول أن تدعم دول الخليج تنظيم القاعدة وكثير منها خاضت مواجهات عنيفة معه وتسعى لحصاره وملاحقته بكل الأشكال؟ وكيف تجتمع خلطة القاعدة مع المواقف الغربية والأميركية والإقليمية مما يجري في سوريا؟ تصريح الدراجي يعطي مصداقية لمحللين يعتبرون أن شماعة تنظيم القاعدة كثيرا ما تلجأ إليها الحكومة العراقية لتبرير سياسات بائسة أو لنشر ثقافة الرعب والتلويح بتهم الإرهاب لكل من يخالفها سياسيا أو يحاول كشف فسادها المالي والاقتصادي.