وليد شقير


عندما قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أول من أمس إن laquo;ما حدث في ليبيا يحدث الآن في سوريةraquo;، لم يكن يقصد مجرد التشبيه، بل أراد، على الأرجح، التذكير بما كان عليه الموقف التركي في بداية ثورة 17 فبراير الليبية، التي بقيت أنقرة مشككة بصحة هدفها إطاحة معمر القذافي، فأبقت على صلاتها به وعارضت قرار مجلس الأمن فرض الحظر الجوي على طائراته التي كانت بدأت تقصف الثوار وتجمعات قواتهم، وسعت الى التفاوض مع القذافي للتوسط بينه وبين المعارضة، الى أن تغيّر الموقف التركي بعد أسابيع قليلة وبات داعماً لتدخل قوات حلف شمال الأطلسي، ومشاركاً بطريقة من الطرق في تسهيل تنفيذها.

قصد أردوغان القول إنه فعل شيئاً شبيهاً في سورية، قبل أن ينتقل المجتمع الدولي الى موقف أكثر حزماً حيالها، بل هو ربما أراد الإعلان، عبر التشبيه الذي ساقه بين سورية وليبيا، عن أن المجتمع الدولي سينتقل الى مرحلة جديدة في التعاطي مع سورية، وأن بلاده ستنسجم مع هذا التعاطي مثلما فعلت في ليبيا، مع فوارق تتعلق بصعوبة اللجوء الى التدخل العسكري الدولي في سورية لعوامل متعددة تدفع أنقرة الى الإعلان عن عدم موافقتها عليها.

حتى اليوم، لم تنتقل تركيا الى مستوى مطالبة الرئيس بشار الأسد بالرحيل، بل بقيت في أوج غضبها من ممارسة نظامه القتل، تدعوه الى قيادة الإصلاحات، التي شجعته عليها في الأيام الأولى لانتفاضة المعارضة في درعا وغيرها، لأن في ذلك ما يوسع القاعدة الشعبية للنظام الذي تعتبره في حالة شيخوخة قياساً الى التطلعات الشعبية، ونصحت الدول الكبرى بعدم الانتقال الى المطالبة بتنحي الأسد، مفضلة إعطاءه فرصة. ومع استمرار المواجهة الأمنية من النظام لحركة الاعتراض الشعبي، ازداد الغضب التركي من تجاهل القيادة السورية كل النصائح والاقتراحات المكتوبة التي قدمتها تركيا الى الجانب السوري، خصوصاً أنها كانت اقرنت هذه النصائح بأخرى الى المعارضة بأن تميل الى الواقعية وعدم الإصرار على إزاحة رأس النظام. وكان هذا الوجه الآخر لاستضافتها مؤتمرات للقوى المعارضة وإقامتها العلاقات الطيبة مع أطيافها، وهو ما لم يعجب الأميركيين كثيراً لأنهم لم يكونوا يوماً مقتنعين بصدقية وعود القيادة السورية بالإصلاح.

ولأن أنقرة كانت أكثر الدول متابعة لتوالي الأحداث في سورية والوعود والقمع وكثرة اللاجئين إليها، سعت في المرحلة الماضية الى استخدام كل وسائل الإقناع مع القيادة السورية. حتى أن اتصالاتها مع طهران منذ بداية الأزمة، لا سيما زيارة وزير الخارجية أحمد داود أوغلو لطهران في أول تموز (يوليو) الماضي، لإقناع الأخيرة بممارسة نفوذها مع الحليف الأساسي بشار الأسد لللكف عن استخدام العنف واللجوء الى الإصلاحات الجدية، قوبلت بتفهم الجانب الإيراني، الذي لم يُخفِ اقتناعه بأن نظام الأسد يحتاج الى الاصلاح من اجل الصمود، على رغم ثباته العلني على رد ما يحصل الى laquo;مؤامرة خارجيةraquo;.

قادت المساعي التركية أردوغان وأوغلو الى نفاد الصبر، لأن أنقرة أبلغت من يعنيهم الأمر أن الأسد، عبر laquo;سياسة العقاب الجماعيraquo;، تسبب بمضاعفة الحقد الشعبي عليه فوسّع قاعدة المعارضة بدل أن يوسع قاعدة النظام وجعل من الصعب العودة بالوضع الى الوراء، بل أدخل سورية مرحلة تحمل معها مخاطر جدية بالانتقال الى مواجهات طائفية ومذهبية، وهي مخاطر دفعت أنقرة الى إبلاغ الكثير من الدول، لا سيما طهران، بأنها لا تستطيع أن تحتمل في أي شكل أن تصبح سورية الدولة الثانية على حدودها التي تشهد هذا النوع من المواجهات الدموية، إضافة الى العراق...

وخلافاً لتوقعات الكثيرين بأن يكون التحول التركي حاسماً، وأن يشمل تحركاً عسكرياً ضاغطاً على النظام، فإن القيادة التركية تتصرف على أن ثمة حدوداً لتأثيرها في سورية على رغم خصوصية العلاقة الجغرافية والسياسية، وفضلاً عن اقتناعها باستحالة عبورها الحدود للتدخل، فإنها تفضل أن يتولى المجتمع الدولي، وهي من ضمنه، تحركاً يتخطى laquo;محدوديةraquo; قدراتها هي، مع اقتراب موقف روسيا نسبياً من موقف الدول الغربية.

تشبيه أردوغان لسورية بليبيا لجهة تولي الأمم المتحدة إدارة الملف السوري، لا يمنع الحديث عن بعض الفوارق، منها أن تركيا التحقت بموقف المجتمع الدولي في ليبيا، بينما هي مهدت لتبلور الموقف الدولي حيال سورية. وإذا تطور هذا الموقف نحو تدويل العقوبات على الأخيرة، فإن تركيا ستكون واحدة من 3 دول حدودية يفترض أن تلتزم بها، إضافة الى العراق ولبنان. لكن من أوجه الشبه أيضاً أن الأمور ستأخذ وقتاً في سورية، مثل ليبيا.