شريف عبدالغني

بعد سقوط التمثال الشهير لصدام حسين في ميدان الفردوس ببغداد، إيذانا بوقوع بلاد الرافدين في قبضة الاحتلال الأميركي، شددت الرحال إلى العراق، كان البلد في حالة فوضى شاملة طالت مختلف أوجه الحياة, المقتحمون للقصور الرئاسية ومنازل كبار مسؤولي النظام ومؤسسات الدولة يخرجون بحكايات تختلط فيها الحقائق بالأوهام، والوقائع بالشائعات.
كالعادة في مثل تلك الظروف المضطربة وبعد انهيار سلطة حديدية، كان قطاع من الشارع العراقي يركز على قصص النساء في حياة مسؤولي النظام المنهار. في التاكسي وفي مقهى laquo;الشابندرraquo; العتيق بشارع المتنبي سمعت الكثير من الحكايات التي قد يكون فيها بعض الصدق مع كثير من المبالغات. كانت الفنانة السورية laquo;رغدةraquo; القاسم المشترك فيما تلوكه الألسن. ليس هذا غريبا فهي أحد أشهر الوجوه التي ترددت على بغداد خلال فترة الحصار. أي دعوة في القاهرة لـ laquo;دعم الشعب العراقيraquo; كانت رغدة -ومعها الممثل محمد صبحي- يتصدران الوفد المسافر إلى عاصمة الرشيد، والذي يولـي وجهه بمجرد وصوله شطر أحد قصور الرئاسة حيث يقبع الرئيس القائد صدام حسين، والذي كان -بحسب ما سمعت في بغداد فضلا عن روايات الحاضرين لمثل هذه اللقاءات- ينادي رغدة بلقب laquo;أم محمدraquo; دليلا على مدى قربها من العراقيين لمساندتها الدائمة لهم في محنتهم.
لكن الحكاوي البغدادية تزعم أن رغدة لم تكن مقربة لأحد في العراق سوى لمسؤولي النظام، ادعى أحدهم نقلا عن ضابط جوازات في مطار بغداد أن الفنانة السورية وصلت علاقتها بهؤلاء المسؤولين إلى حد laquo;النسبraquo;، وأنها متزوجة من شقيق laquo;عبد حمودraquo; السكرتير الخاص لصدام، وأن هذا الزواج أثمر عن ولد، شاهد الضابط صاحب الرواية بنفسه شهادة ميلاده. غير أن البعض رأى أن هذه الحكاية رغم ما فيها من تشويق وإثارة لا تكفي لفضول الفضوليين وشغف الشغوفين بالثرثرة في مثل هذه الخفايا، فراح يزعم أن علاقة الزواج الحقيقية لرغدة في العراق كانت مع صدام بشحمه ولحمه، ولذلك فإن نصيبها كبير من كوبونات laquo;النفطraquo; الشهيرة وقتها!
الثابت وسط هذه المزاعم والروايات والمبالغات أن رغدة -وفق تصريحاتها- كانت تشيد بصدام حسين وبصموده أمام التحالف الغربي الفاجر. هذه الإشادة الدائمة منها جعلتها بطلة لنكتة أطلقها المصريون بعد إعدام صدام، حيث اخترع أحدهم laquo;نعياraquo; له نصه: laquo;توفي أمس الرئيس العراقي صدام حسين، والعزاء اليوم للرجال في منزل الفنان محمد صبحي، وللنساء في منزل رغدةraquo;!
الربط بين رغدة وصدام وكوبونات laquo;النفطraquo; لم يقلل من شأن هذه الفنانة عندي، فكلها أقاويل لا دليل قاطع يؤكدها. كما أنها كانت نموذجا مختلفا للفنانات لم نعهده في مصر شكلا ومضمونا, حينما أطلت علينا هذه الهيفاء بهرتنا بقوامها الفارع ونظراتها المتحدية, ووجها المشرق ونضارة بشرتها بدت كأنها مستمدة من خُضرة الشام ومحملة بنسمات هوائه العليل، على عكس بشرة المصريات المنهكة من تراب الشوارع وتلوث الهواء. وقبل هذا وبعده فإن رغدة ملأت الكثير من المطبوعات بأشعارها ونثرها ومقالاتها. أي أنها زميلة مثقفة تستحق الدعم والمساندة!
لكن laquo;من جاور الحداد ينكوي بنارهraquo; الواضح أن المقابلات المتكررة مع صدام أصابت laquo;أم محمدraquo; بعدوى laquo;الديكتاتوريةraquo;، وجعلتها لا تستطعم الحياة أو تستلذها دون الإشادة بأي ديكتاتور، فوجدت ضالتها في بشار الأسد والذي وصلت في إشادتها به إلى آفاق أرحب باعتباره بلدياتها. laquo;مين يشهد للعروسة؟!raquo;
منذ بدء الثورة السورية، انضمت رغدة فورا إلى فريق محامي بشار، وهم كما أثبتت الأحداث فريق فاشل جدا بداية من رامي مخلوف ودريد ولحام وانتهاء بجمال سليمان وسولاف فواخرجي. أتى دفاعه بنتيجة عكسية، وزاد من فضيحة بشار الدولية. قبل أيام وفي برنامج laquo;الديكتاتورraquo; الذي يقدمه الكاتب الصحافي المصري البارز إبراهيم عيسى على فضائية laquo;التحريرraquo; أكدت رغدة بداية أن laquo;الحالة السوريةraquo; تختلف عن نظيرتيها المصرية والتونسية، وكررت نفس الأسطوانة المشروخة بوجود laquo;أصابع لمؤامرة خارجية على سوريا الأسدraquo;، كما أعادت نفس عبارات نظام laquo;جزار دمشقraquo; بأنها مع المظاهرات السلمية، لكنها ضد المظاهرات المسلحة، وقالت إن الحدود السورية مخترقة ويأتيها المسلحون من كل صوب وحدب.
اللافت أن حديث الأسد وتابعته رغدة عن المظاهرات المسلحة لم يؤكده أي صورة أو لقطة في الفضائيات المنتشرة هنا وهناك، بينما رائحة دم عمليات القتل اليومية التي يمارسها الحلف المقدس laquo;الجيش والشرطة والشبيحةraquo; بحق المتظاهرين السلميين الأبرياء تفوح في سماء المنطقة بأسرها.
رغدة في هذا الحوار كشفت عن مواهب كوميدية في شخصيتها تختفي وراء ملامحها الصارمة. ذكرت أن أولاد أشقائها يشاركون في المظاهرات ضد النظام، ولكن المظاهرات الطيبة laquo;الحنيّنةraquo;, وليست تلك التي ينظمها عملاء الأجندات الخارجية laquo;بتوع القلة المندسةraquo;. وأظن أنه بعد السقوط الحتمي لبشار ستخرج الممثلة المثقفة وتطالب بالرجوع لهذه الجملة كدليل على دعمها للثوار ودفعها أفراد أسرتها للمشاركة في المظاهرات، تماما مثلما فعلت زميلتها في النضال غادة عبدالرازق, لقد حملوها على الأعناق وهي تهتف في مظاهرة مؤيدة للمخلوع مبارك، وبعد سقوطه أكدت أن أولاد أختها شاركوا في الثورة بدعم منها! بشار لم يسقط بعد، إذن من الطبيعي أن تؤكد رغدة أنها معه قلبا وقالبا، وهبّت في وجه مقدم البرنامج حينما تناول الأسد بالنقد، وقالت: laquo;لا أسمح لك بأي تطاول على رمز سورياraquo;، وطالبت بإعطاء سيادة الرمز فرصة لتحقيق الإصلاحات التي بدأها بإلغاء قانون الطوارئ، لكنها نسيت أنه في السلطة منذ 11 عاما وقبلها 30 سنة أمضاها والده لم يحققوا خلالها أي laquo;نتفةraquo; إصلاح، وختمها بشار بدفع الجيش إلى إبادة الشعب وهو عار سيظل ملازما له حتى تقوم الساعة. كما لم تذكر أن عدد القتلى زاد بدرجة رهيبة بعد إلغاء laquo;الطوارئraquo;. مأساة رغدة وصلت إلى حد الملهاة حينما أكدت أنها مع أي laquo;ديكتاتور عربيraquo; حتى لو ظل يحكم للأبد ما دام يواجه حلف laquo;الناتوraquo; والولايات المتحدة وإسرائيل.
إن الفنانة الشاعرة المثقفة تحولت إلى laquo;بغبغانraquo; يردد نفس المواويل الرديئة التي يغنيها حاكم بلا شرعية لتبرير بقائه في السلطة بحكاية laquo;الممانعةraquo; للكيان الصهيوني، رغم أنه و laquo;بغبغانهraquo; يعلمان أنه laquo;أسدraquo; على شعبه laquo;نعامةraquo; أمام إسرائيل!