بداية لاشك أن هنالك من هم متشددون إسلاميون تجاه العلمانية، المطروحة في السوق الآن، وهؤلاء هم أيضا جزء من هذا السوق الرائج الذي استبدل منذ عقدين تقريبا، الذي حاول الهاء النخب المثقفة، بقضية العلمانية بدل قضية الحرية والتخلص من العسكر وأنظمتهم الفاسدة التي حرقت الأخضر واليابس ونهبت كل خيرات البلاد، طبعا لا يخفى على أحد أن السياق الدولي االذي فرض هذه الموجة هو سياق ما سمي الحرب على الارهاب الاسلامي، هذا الارهاب الذي ساهم بإنتاجه عمليا ونظريا ودعمه لوجستيا هي نفس الدول، واستخدمته أيما استخدام كل الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، هذا بالطبع ليس موضوعنا، ولكن لابد من المرور على هذه المقدمة لكي نعرف لماذا تحولت فلول اليسار وغيرهم إلى داعمين لأنظمة العسكر الفاسدة، بحجة العلمانية والدين وتخلف المجتمعات العربية، واضحت قضية الحرية قضية نافلة! والآن بعدما نجحت الثورات العربية في مصر وتونس وهاهي مستمرة في سورية وليبيا واليمن، عادت قضية العلمانية لتكون طلقة إضافية تطلقها العصابة الفاسدة ومن معها، من مثقفين وخلافه، وعلى رأسهم شاعرنا الكبير أدونيس، أن هذه الثورات يجب أن تكون ضد الدين أولا، وليس ضد سيده الحاكم مثلا! مع ذلك لنترك هذه الحفنة من تجار العلمانية، وندخل إلى صلب الهواجس التي تطرح على الثورة السورية، هنالك نكتة دموية يجري الحديث فيها صباح مساء، وتنتشر أيضا بين المعارضين، وهي: أنهم يتعاملون مع السنة السوريين بوصفهم هم القوة التي يجب أن تقدم ضمانات للأقليات بخصوص قضية العلمانية! ويضعون هم أنفسهم على رأس هذه السنة كما يرونها تنظيم الإخوان المسلمين السوريين، وأنه يجب على الإخوان أن يتحولوا إلى حزب علماني أو دنيوي بشكل أو بآخر، هو مطلب حق يراد به باطل في هذه الموجة، التي تحاول التشكيك بقضية الحرية التي يدفع الشعب السوري ثمنها، ولم يدفع شعب في المنطقة ثمنا كالذي دفعه ويدفعه الشعب السوري الآن، هنالك من يقول أن الطائفة العلوية والدروز والمسيحيين يخافون التغيير ويصطفون مع العصابة الحاكمة رغم كل ما تقوم به من جريمة ابادة أقرتها كل البشرية، لأنهم لا يضمنون المستقبل مع هؤلاء السنة اللاعلمانيين، وضمنا مع هؤلاء السنة الارهابيين!

ساضرب مثالا ربما يبدو من صميم هذه النكتة الدموية، إسرائيل مثلا ترفض مبدأ العلمانية وتصر على أن تسمى ويعترف بها كدولة يهودية، ولا أحد في الغرب يأتي على ذكر هذا الموضوع، مع ذلك إسرائيل تعداد سكانها لايتجاوز الخمسة أو ستة ملايين، تفوق تسلحا كل دول الشرق الأوسط، فهل يعقل أن تطلب إسرائيل ضمانات ممن تحتل أرضهم، ومن هجرت شعبهم، وهذا للأسف يحصل، وهنا يطلب ممن لا يملك قطعة سلاح واحدة أن يقدم ضمانات لجيش عرمرم! يقوم بالقتل والمجازر في وضح النهار! كيف يستوي هذا المنطق مع هؤلاء السادة لا أعرف، كمثالquot; أن تطلب الأقلية المسيحية في حمص أو في درعا الضمانة من شعب درعا وحمص الذي يقتل أمام أعينهم ضمانات علمانية!! والجميع أيضا يعرف وأمريكا بالذات تعرف، من حاول ويحاول تهجير المسيحيين العراقيين! كما كانت أمريكا تعرف أن الاحداث بين الأقباط والمسلمين في مصر كان يقف خلفها الجهاز الأمني للنظام البائد، اقتلوهم واطلبوا منهم ضماناتquot; هذه هي العلمانية المطروحة الآن من طارحيها! ولا أحد من هؤلاء لديه خطة واضحة لهذه الضمانات، كيف يمكن تقديم الضمانات هذه؟

لاجواب.

الثورة الشبابية تبنت مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية، وتتفتح وعيا أكثر تجذرا ليبراليا، ومع ذلك يصرون على أخذ ضمانات من تنظيم الإخوان المسلمين، والاصدقاء في الاخوان مبسوطين على هذه اللعبة لأنها تشعرهم أنهم الطرف الفاعل في الثورة، لا بل تشعرهم أنهم هم الثورة! وهذا محض افتراء على الدم والتاريخ الراهن، الناس في قطنا خرجت بتظاهراتها خلف جورج صبرا ونذير الصيفي، وكلاهما ينحدران من أصل مسيحي، عارف دليلة، الذي يدعى دوما لكلمة في كل تجمعات العزاء بشهداء الثورة، الصديقتان سمر يزبك الروائية السورية المعروفة، وخولة دنيا الشاعرة والكاتبة السورية، رمزان نسائيان لهذه الثورة في الداخل، وكلتهما ينحدران من اصول علوية. كما هي الحال مع رمزين هما سهير اتاسي ورزان زيتونة المعروفتين بليبراليتهما وعلمانيتهما، فأي كذب تكذب فيه جماعة معارضتنا أو قسم منها، ويتبادلون الأدوار بينهم وبين جماعة الاخوان المسلمين، في لعبة الضمانات هذه وبطريقة مسرحية أحيانا!!

لنخرج من هذه المتاهة، لأنها فعلا اصبحت نكتة دموية حقيقية، وأنك تطلب من الضحية أن تقدم ضمانات للجاني! هذا تلخيص لما يدور حول قضية هذه العلمانية، إن وجود تيارات متشددة إسلاميا أو مسيحيا أو علويا، أمر يجب ألا يحجب أكثرية وغالبية الشعب السوري، مطلوب من هذه التيارات فقط أن تلتزم باللعبة الديمقراطية، وبعدم اللجوء للعنف، وإن لجأت للعنف القانون أمامها، وهذه قوى لا تستطيع أن تقدم ضمانات، لأنها اصلا لا تشكل مركز قوة، وأنا شخصيا لا أريد منها ضمانات، الشعب السوري بأكثريته قال كلمته، سورية شعب واحد ودولة ديمقراطية وحريات، وانغمست هذه المحددات المستقبلية بدماء شبابنا.

إذا كان هنالك وهابية في سورية، وهي موجودة ولكنها أقلية جدا، فيجب أن يسأل عنها نظامكم نصف العلماني، وليس الشعب السوري.
كان الافضل لهؤلاء أن يقولوا أننا مع هذه العصابة لأن مصالحنا وخلفياتنا تقتضي ذلك، بهذا يكونون أكثر أمانة مع علمانيتهم أو مع نصف علمانيتهم هذه.
وقادم الايام سيكشف ما لم يكشف بعد!

وفي النهاية لا الإخوان المسلمين ولا غيرهم، هم في موقع تقديم ضمانات أو عدم تقديمها...الضمانات قدمتها ثورة شباب سورية التي لم تحمل بندقية.