ليس ثمة شك أن ضجة إعلامية رافقت إقصاء عبد الستار البيضاني من رئاسة تحرير الصباح ، وهي مثْل أي فعل مصطنع متضخم يخلط الحابل بالنابل ، والحق بالباطل ، ومن ذلك إلقاء التهم جزافا على كوادر عراقية وشخصيات عُرِفَت بالكفاءة وابتعادها عن صغائر الأحداث ، ومنهم الأستاذ عبد الجبار الشبوط الإعلامي والسياسي المخضرم بين زمني المعارضة والحكم على حد سواء.
والغريب ان أصحاب الأمر لم يصرّحوا علانية باتهامهم للشبوط قدر تلميحات من هنا وهناك لا تعرف الحقيقة ، بل تُسْمَع أصدائها المختلطة غير الواضحة.
ومهما كان من أمر البيضاني ، في quot;الصباحquot; أو خارجها ، فان الحملة ضد الشبوط التي رافقت ذلك ، وان استمرت فأنها لم تحجب حقيقة ان إعلاميا مخضرما مثل الشبوط ، صاحب الماضي الجهادي في مقارعة النظام الديكتاتوري ، كان بعيدا اشد البعد عن شبهة إقحامه في أمر التغييرات في جريدة الصباح.
و الشبوط المعروف للجميع ،لا داع للتحدث عن ماضيه وهو صاحب أول جريدة معارضة صدرت في طهران ( الجهاد) يوم كان الكثير ممّن يتهمونه اليوم في خندق المؤيدين للسلطة ، بل ان الشبوط قاد لردح طويل اجندة المعرضة الإعلامية ( صحيفة المؤتمر في لندن وكردستان ) في وقت كان فيه كثيرون ممن يستلمون مواقع قيادية في الإعلام العراقي اليوم في خدمة اجندة الطاغية.
وليس ثمة حاجة لاستحضار الحوادث و الأرقام لان التاريخ قريب ويتذكر الجميع ممن يعنيهم الأمر تفاصيله ، فلا يمكن الكذب او المراوغة في ذلك ، ولعل هذا ما اجبر الشبوط على عدم الرد ، ربما لان التفاصيل لا تعنيه أولا ، ولان القضية برمتها لا تستحق الرد من وجهة نظره ، ثانيا.
وفي كل ذلك ، ثمة محاولات مشبوهة حاولت خلط أوراق قضية ميناء مبارك بادعاء ميول كويتية للشبوط حفزته للنيل مما كتبه البيضاني عن الميناء ، لكن السؤال : هل يمكن لشخص ما ان يعثر على كلمة واحدة كتبها الشبوط في دعم الكويت ومينائها؟.
وهل ان ما قاله رئيس مجلس الأمناء حسن سلمان، من أن قرار الإقالة ليس مرتبطا بما كتب حول ميناء مبارك ، لم يكن صحيحا؟.
وإذا كنا لا نثق بما يقوله أصحاب الشأن ، فعلينا اذن ان لا نتكلم فيما لا نعرف.
ان إلصاق الأمر بالشبوط ليس بالمستغرب ، لاسيما وان الرجل طيلة الفترة الأخيرة من كتابته في الصباح ، نظّر في الشأن السياسي العراقي البحث ، منتقدا السلبيات ، وداعيا الى رؤية سياسية واضحة فيما يخص السياسات الداخلية والخارجية ،معززا تاريخه السياسي المخضرم منذ سبعينيات القرن المنصرم،
وهو يقارع الديكتاتورية منذ صحيفة quot;الجهادquot; المعارضة لنظام صدام في بداية الثمانينيات ، ومن ثم إنشائه صحيفة quot;المؤتمرquot; وهي جريدة المعارضة العراقية في لندن وكردستان ، وحتى إصداره صحيفة quot;البديلquot; الإسلامي في الشام.
لنتذكر جيدا ان الشبوط في فترة ترأسه تحرير جريدة الصباح كان صاحب منهج مستقل وانتقادي لدور الحكومة ، سبب له إشكاليات كثيرة مع مَنْ لا يفهم دور الصحافة المستقل محاولا الضغط على الشبوط ل(تجيير) هذا الدور لصالحه ، مما اضطر الشبوط الى ترك الصباح ، لكنه ظل مخلصا لمهنة الصحافة ، يكتب في عدة صحف وجرائد ، ومنها مجلة quot;الأسبوعيةquot; التي ناقش في مقاله الاسبوعي فيها الوضع العراقي بعقلية متفتحة داعيا في أكثر من مقال الى استيعاب الجميع والعمل على قاعدة الوطنية وليس المذهبية او الاثنية ، حاثا على عدم إثارة روح الانتقام.
السؤال الذي يبرز الآن : هل يمتلك من يتهم الشبوط بانه كان سببا في محاولة (إقالة) البيضاني ، دليلا على ذلك ، ولماذا يربط شخص الشبوط بما نشره البيضاني في الصباح من مقالات حول ميناء مبارك لاسيما وان الصحف العراقية ، نشرت عشرات المقالات حول الميناء والعلاقات بين العراق والكويت.
ان ما يحدث هو إقحام متعمد من قبل أطراف تخلط الأوراق ليس لإغراض وطنية بل شخصية تقترب من الروح الانتقامية من شخصيات عارضت صدام طيلة عقود، وتحاول أن تعطل دورها الايجابي في بناء العراق الجديد.
واللافت في قضية البيضاني ، انها تتمحور حول اسائته للعلاقات العراقية الكويتية ألا ان التمعن في مقالاته لا تشير الا انه عالج قضية الميناء بهذا الاتجاه ، لكن الذين يعملون على تسييس المسألة و شخصنتها ، يحاولن النيل من جريدة الصباح وشبكة الإعلام قبل الشبوط ، بل من البيضاني نفسه ، لاسيما وان الشبوط هو من دعم موقع البيضاني في الصباح إلى آخر يوم منذ تعيينه رئيسا لتحريرها.
وفحوى الموضوع ان ثمة مآرب أخرى في نفوس من يروجون الكذب في محاولة يائسة للنيل من كوادر وطنية قادت الاعلام المعارض ضد صدام ، وتحاول اليوم ان ترسم ملامح إعلام مستقل غير تابع.
ومن هذه المآرب محاولة البعض الوقوف بوجه أي تغيير في جريدة الصباح لا يكون في صالحهم ، فثمة لوبي ابتز الحكومة عن طريق اشاعة ان تغيير البيضاني كان بضغط ( لوبي ) كويتي ، والحقيقة هي غير ذلك ، فقد تمكن الأشخاص غير المستفيدين من أي تغيير في الصباح ، تمكنوا من تعطيل التحديث والتبديل الايجابي في الجريدة.
الحملة الجديدة على الشبوط ليست بجديدة في كل الأحوال ، فمنذ إشهاره قلمه بوجه محاولات نزع استقلالية الصحافة في مرحلة ما بعد سقوط صدام ، عانى الشبوط كثيرا من محاولات إقصائه من مراكز القيادة الصحافية والحزبية حتى ابعد من جريدة الصباح ، بعدما كان مرشحا حتى لرئاسة شبكة الإعلام العراقي.
وعلى رغم معاناة الشبوط من ظلم رفاق الدرب ، ومن محاولات الإقصاء، وما يتكبده من إشاعات اتهامه بالولاء لهذا البلد او ذاك من قبل أطراف محسوبة في بعض فعالياتها على النظام السابق تحاول النيل من الكوادر المعارضة ، الا ان للشبوط ماض في مشروعه وقلمه في خدمة صحافة حرة مستقلة ،تخدم العراق ، ليس غير.
التعليقات