يكتب العديد من المهتمين السوريين (عرباً وكرداً) عن التظاهرات الكردية التي تخرج وترفع اعلاما كردية ورموزا تعبر عن القومية الكردية الى جانب الرموز الوطنية السورية، وتنتقد هذه الكتابات ذلك وتطالب بquot;عدم الخروج من الصف العامquot; وquot;الاكتفاء برفع العلم الوطني السوريquot; واللافتات التي تحيي تظاهرات المناطق السورية الاخرى. ونتابع في تلك الكتابات quot;حججاquot; وquot;نظرياتquot; في رفض الاتجاه الاول، ودعما واضحا للاتجاه الثاني. القول بأن الكرد ينتمون الى الحراك الجماهيري السوري المعارض لنظام بشار الأسد، قول صحيح ولاغبار عليه. والمطالبة برفع الاعلام السورية واللافتات التي تحي مقاومة الجماهير المنتفضة في حماة ودير الزور ودرعا وحمص ودمشق واللاذقية وغيرها، ايضا مطلب صحيح وواجب. لكن... الكرد في سوريا قومية مختلفة عن العرب، ولديهم الى جانب المطالب العامة في الحرية والديمقراطية والمشاركية ومحاربة الفساد واحتكار السلطة، مطالب تتعلق بحقوقهم القومية. بمعنى ان التظاهرات الكردية ضد نظام بشار الاسد ذات مطلبين مزدوجين: الأول مطلب عام يتعلق بالحقوق والحريات، وهو مطلب يتقاطع مع مطالب بقية الجماهير السورية. والثاني مطلب قومي خاصة يتعلق بالشعب الكردي في سوريا، وهو quot;الاعتراف الدستوري بالهوية واللغةquot;، ويتم التأكيد على ذلك المطلب، أي على الخصوصية القومية، بالتعبير عنها بالاعلام والرموز. قطعاً ليس صحيحا ان يستنكر المثقفون والمهتمون والثائرون العرب السوريون ذلك التصرف على الكرد. والدعوات بترك الكرد رموزهم واعلامهم والاكتفاء بالرموز الوطينة السورية غير محقة وتنم عن عقلية قاصرة( أو ربما اقصائية) لم تستوعب بعد الخصوصية الكردية التي تميّز تظاهرات عفرين وقامشلو وكوباني وعامودا والدرباسية وسري كانيه، عن تظاهرات درعا وحماة والحراك والبوكمال!. المتظاهرون العرب ليست لديهم مشاكل في الهوية، وهم يتمتعون بكل الحق في التعلم بلغتهم القومية وممارسة ثقافتهم والتعبير عن هويتهم بكل حرية. الدولة أصلا هي تعريفا quot;دولة عربيةquot;، والحزب الحاكم ورغم ديكتاتوريته وفساده حزب قومي عربي، بل ومغال في العروبة والاصرار على توطيّدها ونشر مظاهرها. اذن، والحال هذه، لاحاجة للمواطن السوري العربي في ادلب مثلاً برفع الرموز العربية والاصرار عليها، بل هو يصر على الرموز الوطنية السورية، وذلك لايشكل لديه أي قضية، ولايشعر بأي غبن لو فعل ذلك واكتفى به. اما الكرد فعلى النقيض. فقضيتهم الكبرى هي انكار الوجود القومي، ورفض الحكومات السورية المتعاقبة منذ الاستقلال الاعتراف بهويتهم ومنعهم من ممارسة ثقافتهم وحقهم في التعبير عن انفسهم بها. الكرد يرون قضيتهم القومية أولى وأهم في سلم المطالب من التعبير عن مطاليب الحرية والديمقراطية لسوريا. الكرد خائفون من الاّ تضمن quot;الحريةquot; وquot;الديمقراطيةquot; منحهم الحقوق القومية، لذلك فهم يؤكدون عليها دائما ويشيرون الى مطاليبهم القومية في كل مظاهرة. ليس هناك أي داع لحساسية المواطنين السوريين العرب من تأكيد الكرد على هويتهم ورموزهم في التظاهرات. المعروف بان المناطق التي يتظاهر فيها الكرد هي التي يٌشكلون فيها الاغلبية، وهذا الحقيقة معروفة في كل سوريا ويعرفها الجميع. العرب السوريون ليست لديهم مشاكل قومية وثقافية وquot;هويويةquot; واقلوية، لكن الكرد لديهم تلك المشاكل المزمنة، وكل ماحصل لهم من غبن وقمع كان بسبب تلك المشاكل. الكرد قوميتهم غير معترف بها ولغتهم ممنوعة وثقافتهم محاصرة، ليس منذ مجيء بشار الاسد عام 2000 أوانقلاب quot;البعثquot; عام 1963، لكن منذ دخول الفرنسيين والاستقلال، أي منذ أكثر من 80 عاما. العرب السوريون لم يتعرضوا الى مشاريع اقصائية وتمييزية وعنصرية مثل (الاحصاء الاستثنائي) و(الحزام العربي) و(محرقة سجن عامودا)، والقمع الكبير لانتفاضة 12 آذار عام 2004 بسبب انتمائهم القومي. العرب السوريون لم تتعرض مناطقهم لسياسة خاصة ومشاريع ممنهجة هدفت لافراغها وتشريد ساكنيها ومحاربتهم في لقمتهم واهمال تلك المناطق وتركها صحراء قاحلة لاحياة فيها ولاماء، وكل ذلك لدواع وسياسات عنصرية مقيتة. ولم يفعل بشار الاسد ووالده فقط ذلك، بل كل الحكومات السورية( القومية وغير القومية) منذ عهد الاستقلال فعلت وأصرت على عدم الاعتراف بالقومية الكردية ونكران حقوقها. العرب السوريون يعادون هذا النظام ليس لانه عادى قوميتهم وحرم اطفالهم من التعليم باللغة العربية ومارس سياسة عنصرية على شكل مشاريع مدروسة للنيل منهم وتشريدهم، ولكنهم يعادونه لانه ديكتاتوري ويرفض الحريات ويمارس القمع ويسرق خيرات البلاد ويوزعها على نفسه وعلى حاشيته، ويرفض تداول الحكم ويعادي الشفافية والتعددية الحزبية. لكن الكرد، وان كانوا يشاركون مواطنيهم العرب ذلك العداء وللأسباب نفسها، لكن لهم قضية قومية وهم محرومون من ممارسة هويتهم ويتعرضون بسبب قوميتهم الكردية الى كل اشكال القمع والمطاردة والتطهير العرقي منذ ان قضت اتفاقية quot;سايكس بيكوquot; بالحاق مناطقهم بالدولة السورية الجديدة، والتي أريد لها ان تكون عربية الطابع واللغة، ومن ثم جيء بملك عربي من الحجاز ليحكمها. عندما يسمع السوريون، وكل العالم، عن تظاهرات قامشلو وعامودا وعفرين وكوباني، لايجب ان ينصدموا برؤية الاعلام والالوان الكردية، لان لتلك المناطق خصوصية سورية، ويسكنها قوم غير العرب، هٌمشوا طويلا وتركوا وكان الكل صامتا على قمع الحكومات السورية لهم. بل على العكس من ذلك، يجب تفهم تلك الخصوصية وتحيتها وقبول الاختلاف والتنوع وتسويقه سوريا، وكانت لفتة جميلة جدا ومهمة للغاية حينما تم تسمية جمعة انتفاضية في كل سوريا بجمعة (Azadicirc;) والتي تعني الحرية. في عام 2004 وعندما قمعت شبيحة واستخبارات بشار الأسد الشعب الكردي وقتلت من أبنائهم العشرات وسجنت وشردت الآلآف، لم نرى مظاهرة واحدة تندد بتلك الجرائم في كل المناطق السورية. الكثيرون قالوا آنذاك: quot;أكراد ويطالبون بالانفصال والدولة لها الحق في قمعهمquot;!. وكان ذلك موقفا خاطئا طبعا ولايجب ان يرد عليه الكرد بموقف خاطئ الآن، ولكن مطالبة الكرد بالتخلي عن رموزهم واعلامهم والكف عن التعبير بها، مطالبة غير صحيحة وغير محقة ولايجب ان تتكرر. عتب البعض على الكرد في انهم يرفعون اعلامهم ورموزهم الى جاب العلم الوطني السوري، عتب في غير محله. عتب فيه فهم قاصر او اقصائية متقصدة. رفع الكرد لأعلامهم القومية وصور رموزهم لايعني الابتعاد عن الهم السوري العام أو الخروج من النسق الانتفاضي، او ترجمة لنوايا انفصالية، كما يوهمنا البعض المتأثر بدعايات وأجندات مغرضة عابرة للحدود، بل يعني رفعاً للغبن التاريخي الكبير عليهم، منذ ان قٌرر ان يعيشوا ضمن هذه الدولة التي تسمى سوريا. انه تمتع بالخصوصية القومية التي حرموا منها طويلا، تحت طائلة السجن والملاحقة والاضطهاد. الكرد يرفعون العلم الوطني السوري، رغم ان الوانه لاتعكس التعددية السورية، بل فيها اقصائية واضحة لكل المكونات، وهي تتغنى بأمجاد العرب وانتصارات امبراطورياتهم التاريخية. الكرد يقفون احتراما للنشيد السوري، رغم انه نشيد قومي عربي بامتياز، ويسرد ملاحم quot;عرين العروبةquot; ويتغنى بانتصارات quot;الرشيد والوليدquot; وليس فيه عبارة واحدة عن الكرد او سواهم من أبناء سوريا غير العرب. حتى مطالبة البعض باعادة تعريف سوريا بquot;الجمهورية السوريةquot; فقط، بدل quot;الجمهورية العربية السوريةquot;، لاقت غضبا شديدا من جانب اكثر الاطراف العربية السورية ديمقراطية ومطالبة بالحريات ودولة القانون والمواطنة. لم يقل احد بان صفة quot;العربيةquot; تلغي الشركاء الآخرين، ولم يتسائلوا: كيف يمكن كتابة عبارة quot;عربي سوريquot; على بطاقة مواطن كردي سوري أو آشوري سوري؟. بل شطح الاغلبية الى التهم الجاهزة وتحدثوا عن quot;المؤامرةquot; وquot; العداء للعروبةquot;. ولم يكن الأمر ذلك قطعا. بعض المعارضين العرب يعتبون ويقولون بان الكرد لايشاركون بالسوية المطلوبة في الانتفاضة الجماهيرية ضد نظام الاسد. وهذا كلام غير صحيح. فالكرد لم يرقصوا للنظام عندما اعاد لهم الجنسية السورية، ورفضوا الحوار مع رأسه وفاءً للدماء التي سفكتها آلة حرب النظام في درعا وغيرها. والكرد يخرجون كل اسبوع وباعداد كبيرة ويحيّون المتظاهرين في كل سوريا. لكن الفرق بين مظاهرات الكرد ومظاهرات غيرهم هي ان النظام يقتل الآخرين ولكنه لايفعل عين الأمر مع مظاهرات الكرد لحسابات معروفة. وذلك ليس ذنب كرد. فلو قابل النظام مظاهرات الكرد بالرصاص كما يقابل مظاهرات غيرهم لكان اعداد شهداء الشعب الكردي الان تتعدى المئات. نحن بحاجة الى حوار حقيقي ولاينبغي ان نؤجل ذلك الحوار لحين رحيل النظام. فالكل متفق على ضرورة رحيل هذا النظام المجرم القاتل. ولكن على المطالبين بالحرية والديمقراطية ان يتفهموا خصوصية كل المكونات السورية، وان يتعهدوا ببناء سوريا جديدة لكل ابنائها. سوريا جديدة تعترف بالكرد والآثوريين وغيرهم. نريد نموذجا سوريا جديدا. نريد اعترافا بحقوق الجميع. لانريد أن يأتي حاكم أو حزب غدا ويقول للكرد: نظرا لتدخلات الدول الاقليمية والدولية وquot;المصالح الاستراتيجية العليا للبلادquot; لن نستطيع ان نعترف بحقوقكم القومية وضمانها في الدستور، وسنكتف بالوطنية السورية التي تمنحكم حق quot;المواطنة العربية السوريةquot; فقط لاغير!!.
- آخر تحديث :
التعليقات