الحرية توق للبشر لانهاية له، هذه مسلمة في كل الشرائع الدينية والدنيوية، بغض النظر عن تواطؤ البشر عليها، وبغض النظر عن تفسيراتهم التي لا تخلو من مصالح دنيوية غير قابلة للحصر، لكنها قابلة للضبط، وهذا الضبط يكون بالقوننة، والقوننة هي التي تخرج البشر من شريعة الغاب، والقوي يأكبل الضعيف، أيضا هذه خبرات راكمتها البشرية منذ ولادتها ولاتزال تراكم وستبقى، في قوننة شؤون حياتها، اليهودي ناضل من أجل حريته كما ناضل المسيحي من بعده وكذا المسلم وغيرهم من شتى الأعراق والاثنيات، وفي هذه الحرية المناضل من أجلها، تكمن الديناميات المجتمعية، حيث كل من هؤلاء جميعا يرى الحرية على مقاسه، ووفقا لتعبيراته وترميزاته ومصالحه، ولأن البشرية خرجت من شريعة الغاب بالمعنى النسبي للعبارة، هذا الخروج الذي عبر عنه، بمايسمى الدولة ومجتمعها وقوانينها ومؤسساتها، بحيث أن القانون يحمي الجميع على قدم المساواة، وهذا ما تحاوله معظم شعوب العالم وشعبنا السوري ليس خارج هذا العالم، كيف كان من الممكن أن تتعايش أديان وأعراق في مجتمع واحد لولا التأسيس التاريخي للدولة والقانون، هذا التأسيس الذي تولد بفعل الخبرة العملية واليومية للبشر، ولم يكن موجودا في كتاب منزل، أو في كتاب فلسفي مسبق على التجربة العملية هذه. هنا في حديثنا على هامش الانتفاضة السورية، تخرج اطروحات، ما أنزل الله بها من سلطان، فالعماني لدينا يريد الحرية له فقط، وكذا الحال الديني، وفوق الجميع، نظام لا يؤمن سوى بحريته سواء على المستويات الشخصية، أو السياسية، فهو حر في كل ما يقوم به سواء كان قانونيا أو غير قانوني، لسبب بسيط أنه يمتلك القوة، واستولى عليها بفعل، كما يحدث في التاريخ عادة، لكننا نحن معشر المنقسمين على بعضنا وعلى أنفسنا، لا نرى من هذا الأمر سوى تيمة واحدة من هذه اللوحة، وهي الحرية لي،وليس لغيري..دون أن نميز أصلا بين البعد الوجودي للمسألة وبين بعدها التاريخي، المسألة القانونية تغيب تماما عن العقل المعارض السوري كما هي غائبة أصلا عن العقل السلطوي المسيطر على الدولة والثروة، ويقتل الناس هكذا بلا أية شريعة كانت وبلا أي سند قانوني من أي نوع كان، هذه المسألة لوكانت حاضرة فعلا، لما كنا نجد من يحاول أن يجد مخرجا للنظام، ليقدم النظام قانونا أي قانون ولكن شريطة ان ينطبق على الجميع، لحظتها يمكن أن نصدق أن هذه العصابة لديها نية ما على المستوى الوطني، سورية التي نهبوا خيراتها وتنعموا بها على حساب مزيد من إفقار شعبنا، ومزيد من قتله واعتقاله، والأهم من كل هذا محاولتهم الدائمة والمستميتة أنه لا مستقبل لسورية سوى في إطار سيطرة هذه الحفنة من تجار الدم على مقاليد حياة البشر، من الأزل وإلى الأبد، هنا تكمن جوهر القضية، وما تبقى كله ترميزات لتغطية هذا الأمر الأساس، ترميزات يتفنن اصحابها في ابتداع التشكيلات الخطابية، التي تضمر التيمة الأساس، استمرار الطغمة بشخوصها وميولها ومعتقداتها، وولاءاتها التي أدخلت المجتمع نفق الموات، أنا هنا لا أنظر على أحد، لكنني احاول الاستفادة من إمكانيات التجربة البشرية في أن نستفيد منها كشعب سوري يسجل أضخم ملحمة معاصرة من أجل الحرية، القوى السياسية لم تتعلم بعد أن تخرج من جلدها الأيديولوجي، لا يزال الإخوان واليسار والقوميين، نفس الخطاب، ونفس آليات اشتغال الرمز لدى الجميع، لهذا نجد أن كل هذه القوى لم تتلمس بعد نبض الشارع وثورته والتي لم تساهم بها، معتقدين أن هذا الشارع عاجز أن يفرز قيادته، وعاجز أن يفرز برنامجه السياسي لمستقبل سورية، لأن هذا الخطاب السقيم يحمل تصوارت ثابتة عن الذات الأيديولوجية والسياسية وحتى الفردية، المجتمع الدولي عندما يتواطؤ مع قتلة يدرك أيضا بالمقابل أن هذه الثورة قادرة على أن تقود نفسها وتحمل سورية نحو مستقبل أكثر حرية وأمانا وفعالية، لكن المجتمع الدولي لا يريد حتى اللحظة لسورية هذا، لهذا هو يحاول أن يساهم في إماتة شعلة الثورة ورهانه في هذا المجال خاطئا، الانتفاضة السورية التي عمدها الشباب السوري بالدم، لن تبقي سورية كما كانت قبلها، مهما حاولت هذه العصابة أن تعيد صياغة مافيوزيتها، بطريقة محدثة كما تعتقد هي وهذه المافيوزية المحدثة، ناتجة عن إحساس هذه العصابة بأنها تمتلك الجيش والأمن، لا يوجد معارض واحد يحاول أن يبرأ ساحة أحد من هذه العصابة إلا ويعرفها أنها عصابة..والقول أن هؤلاء خائفون على سورية ومستقبلها من جبروت هذه العصابة، ويخافون من تطور الأمور إلى حرب أهلية، كل هذه تخرصات تخفي أخطر ما يواجه ثورتنا هذه، وهو أن عدم فاعليتهم في هذه الثورة وإحساسهم بالعجز عن تقديم أية مساعدة لها، يجعلهم يأخذوا دور الحكماء، وغيرهم شيطان محرض، هذه لغة العصابة الحاكمة، أنا أتفهم الصامت والحيادي، واتفهم الخائف، لكن لا اتفهم من يخاف من النظام، ويطرح نفسه داعية إصلاح، او من يخفي تواطؤه على هذا الشعب، بحجة أنه يريد الحوار من أجل هذا الشعب، اتفهم الذي لايشارك خوفا، لكن دون أن يقول بخلاف حقيقة النظام، كلها خطب باتت واضحة المعنى والمبنى، يا أخي الشعب يقول كلمته رغم كل ما عانى ويعاني، هل سمعتم تظاهرة واحدة تدعو للحوار، فمن أنتم حتى تحاورون؟
قضية خطيرة لم ينتبه لها هؤلاء أو أنهم انتبهوا ولكنهم يتعامون عنها، صحيح أن من يشارك في الثورة هم من كل المكونات السورية، لكن الصحيح أيضا، أن القتل يقع على الأكثرية المنحدرة من السنة، أما من قتلوا من العسكر فهؤلاء بشكل عام يسأل النظام عنهم، وهذه ستترك عقابيل ليست قليلة في المستقبل، ومع ذلك شباب الثورة يتفهمون هذا الأمر، وهذه عندما تكشف أسماء من استشهدوا سنجد أنها من لون واحد، وهذا التفهم العميق من شباب الثورة، وعدم تفهمه من قبل المعارضة أو من يتلطى خلفها، إما بالسكوت عن هذا الأمر، أو عدم التطرق له بحجة، أنه يعبر عن نفس طائفي!! دعونا في نفس الوقت الذي وقفنا ونقف فيه ضد أية ممارسات تصدر عن بعض أقلية من شباب الثورة، سواء عبر الانجرار للعبة النظام في التطييف أو العنف، دعونا أيضا نقول الحقيقة مقشرة بوضوح الدم. ومع ذلك الشباب السوري متفهم لهذا، ولكن ليس متفهم لقضية أن الطرف الآخر من المعادلة، لديه أية روح وطنية على المستوى المجتمعي.
وهل إذا قلت أن كل الذين استشهدوا هم منحدرين من السنة أكون بذلك طائفيا؟ ومن قتلهم ليس كذلك ويجب التحاور معه، منطق لا أعرف كيف يستوي مع بعض دعاة اللاطائفية!؟ سورية تتجاوز نفسها الآن، وليس النظام والمعارضة التقليدية في الداخل والخارج وحسب بل تهيأ نفسها لسورية جديدة، سورية يجب أن نشارك من موقع الناس في الشارع في صياغة مستقبلها، أو نصمت. ومستقبلها يكون بقول الحقيقة كما تحدث لا كما نتوقعها، أو نرغبها.
يتفننون في الحديث عن دولة المواطنة والعلمانية، وهم يعدون العدة للحوار مع العصابة، يتفننون في الحديث عن الدولة المدنية وهم يريدون الاستيلاء على السلطة!! يتفننون في الحديث عن أنهم ليبراليون منفتحون، وهم يريدون استعادة ما يعتقدونه حقهم من الثروة...هؤلاء الآن يتصدرون المشهد المعارض في الخارج وقسما من الداخل، والأصدقاء الاكراد الناس في الشارع تموت وهم يفتحون نقاشا الآن حول أن سورية ليست عربية!! وهذا لا يعني أن هنالك من حاول جرهم لهذا النقاش، ولكن يجب ألا ينجروا إليه..وكل هذا النقاش لا يأبه له الشباب السوري من كرد وعرب والذي يخرج مقدما روحه على كفته، من أجل حريته وحريتنا جميعا.
غسان المفلح