تبدو صورة مصر الحالية مضطربة وغير مستقرة أكثر من أي وقت مضي منذ إندلاع شرارة ثورة 25 يناير وحتي الأن، فالحيرة والغموض وعدم فهم مايدور هما أكثر ما يميزان المشهد الحالي في مصر الثورة .

الواقع علي الأرض لايحمل حتي الآن أي جديد ، ونتائج الثورة المفترضة مؤجلة الي أجل غير مسمي ،وكل مايدرو في مصر الأن هو جعجعة بلا طحن ،إضافة الي تلك الحالة من الإرتباك واللبس التي تغلف بضبابية شديدة القتامة مرحلة مصر ما بعد الثورة ،حتي أصبح من الصعب علي الأقل من متابعة وسائل الإعلام عدم التفريق بين مرحلة ماقبل الثورة ومرحلة ما بعدها ـ إذ عادت الي صدارة المشهد كل الملفات القديمة بما تحمله من صراعات ومواجهات ودسائس ووقائع تجري بين مختلف ألوان الطيف السياسي في الشارع المصري ،فالتناحر بدأ الأن علي أشده بين الكل، فالجماعات الدينية بكل أطيافها السلفية والجهادية والأخوان وغيرها بدت مختلفة مع باقي الحركات الثورية المتعددة الموجودة بفاعلية الأن علي الساحة في ميدان التحرير ، فالكل يريد أن ينتزع الميدان لصالحة ،وهنا يدخل المجلس العسكري طرفا في الانقسامات هو الآخر ويتهم تحديدا حركة 6 ابريل بالعمالة الي جهات أجنبية وتلقيها اموال من الخارج وهو اتهام خطير لفيلق ثوري مهم ساعد في خلع مبارك ، وليس هناك أي دليل علي صحته وإطلاقه يهذا الشكل إنما ينم عن عدم ادراك بأصحاب الثورة والدور الذين لعبوه، ويكشف عن استهانة وسطحية وعشوائية في توزيع الإتهامات بالطريقة نفسها التي كان يفعلها النظام المستبد السابق ،فليس معقولاً ولا مقبولاً توزيع اتهامات دون ادلة وبراهين ـ ناهيك عن توزيع اتهامات لنشطاء الإنترنت بأنهم مجموعة من العملاء اللذين يعملون لصالح اجندات خارجية .

الوضع المستقبلي في مصر لايمكن التكهن به ولا حتي يمكن التكهن بمن سيحكم مصر في نهاية المطاف هل هو المجلس العسكري؟ أم هم المرشحون للرئاسة اللذين يفتقدون زخم الشارع والتأييد الفعال ولانعرف عملاً لهم وسط احداث مصر المتلاحقة إلا التنقل بين محطات التليفزيون ،وأصبح في حقيقة الأمر بينهم وبين الشارع الحقيقي مسافات طويلة .
إن مياديين القاهرة التي كانت مسرح الثورة تخلت هي الأخري عن الوحدة الواحدة وأصبحت رمزاً للإنقسامات والإختلافات فميدان روكسي هو ساحة التأييد للعسكر وميدان مصطفي محمود للمخلوع وميدان التحرير لحرية مصر كلها.

إن ثورة مصر التي وصفت بأنها الثورة التي لا مثيل لها والتي خرجت فيها مصر بكل طوائفها لتسقط الحكم المستبد والحاكم الطاغية هي الأن تتطلع لقطف ثمار الثورة بأيديها هي وليس بأيدي الأخرين الذين كانوا يأتمرون بأمر المخلوع ، فالمصريون أسقطوا مبارك وقاموا بدورهم السلمي علي أكمل وجه وسلموا مصر الي العسكر بعد تلك التضحيات المستمرة بالأرواح والدماء والصبر علي حكم مستبد ظالم واصبح حقا لهم وعليهم أن يجددوا مطالبهم من حكم العسكر . لكن النقطة الفاصلة التي تبدو في تلك الحقيقة الغائبة هي أن العسكر لم ينقلبوا علي حكم مبارك ولم يكّشروا يوماًعن انيابهم له طوال فترة حكمة الفاسد المستبد الذي اسقط البلاد في هوة ساحقة من التراجع والتخلف.

اذا استمر الوضع بالشكل الحالي فان نتائج الثورة سوف تأتي متأخرة أو لن تأتي فالعمل علي إجهاضها من فلول الحزب الوطني المنحل ورجال الأعمال المستفيدين من النظام السابق لم تتوقف ولن تتوقف لحظة واحدة ، فهم طلاقاء ومبارك رئيسهم السابق ينعم في شرم الشيخ بحماية غير معلومة المصدر والمحاكمات تسير بشكل ابطأ من محكمة الأسرة والإعلام المدسوس المغرض في أحيان والملتوي في أحيان اخري يمارس دوره في وئد الثورة والتشكيك فيها ـ فهل يأتي حكم العسكر لمصر بالحلم الذين ينتظرونه أم انهم في نهاية الطريق سيكونوا حكام مصر الجدد؟