حالة التخبط التي تمر بنظامي الرئيسين بشار الاسد و معمر القذافي، تؤکد بجلاء و من دون أدنى لبس، فشل کل المحاولات الترغيبية و الترهيبية التي قاموا بها من أجل وضع حد للغليان الذي يسود الشارعين السوري و الليبي، لکن هنالك أيضا اسباب جوهرية لفشل تلك المحاولات وتکمن أهمها في أنها نابعة من سياقين يمکن تحديدهما بما يلي:
ـ ان المحاولات تطرح بعقلية النظام و وفق طموحاته و أهوائه بعيدا جدا عن أفکار و طموحات الجماهير المنتفضة الثائرة.

ـ مقدموا النصائح و المشورات لايملکون الجرأة الکافية لطرح أفکار و صيغ فعالة بإمکانها إحداث حالة إنفراج، ذلك أنهم يلتقطون من حالة الغليان الجماهيري مايوافق(القائد) و نظامه مثلما انهم أيضا مسايرون و متملقون للنظام و يتنفسون من حيث يأمر النظام.

ويقينا ان اللجوء لخيارquot;القوةquot;وquot;العنف و الاکراهquot; لحسم الموقف مع الشعبين الرافضين لنظامي حکميهما، هو بحد ذاته شهادة إثبات بدمويتهما و عدم إکتراثهما بالعالم کله و إستعدادهما لفعل أي شئ بإمکانه إبقائهم مدة أطول على دست الحکم، والغريب، أن(ملك ملوك أفريقيا)، بعد أن قام بإستجداء الدعم من اسرائيل، لجأ أيضا الى السحرة و الجن لکي يمنحونه اسرار و طلاسم البقاء و إقصاء الشعب الرافض له، وعلى الرغم من أنه ليس هنالك مايثبت ان النظام السوري لم يقم بهکذا مساع(مشعوذة)، لکنه قطعا لايتورع عن ذلك فيما لو کان هنالك(المشعوذ)المناضل و الوطني المناسب بحسب أوصاف النظام، الذي يتمکن من إستقدام سحرة و جن مناضلين مؤمنين بأهداف الحزب و أفکار القائد الاسد!
أثناء الحرب العراقية الايرانية، کانت هنالك في الخفاء حربا من نوع آخر لايستخدم فيه الاسلحة و العساکر، إذ کانت تجري في مدينة قم تحديدا، محاولات جادة من أجل إحضار روح صدام لإستنطاقها من أجل الحصول على معلومات مهمة تتيح للنظام الايراني توجيه ضربة حاسمة للقوات العراقية، ويقال أن روح صدام حسين کانت محصنة جدا ذلك أنه وبحسبquot;إستشاراتquot;وquot;نصائحquot; تحوط من هذا الامر وقامت نخبة من أفضل من تعاطىquot;السحر و الشعوذةquot; بعمل الطلاسم و الاحاجي المناسبة لحفظ روح صدام من عبث الاعداء!
وانا أتابع أوضاع النظامين في سوريا و ليبيا، تذکرت حادثة طريفة رواها لي إعلامي عراقي مشهورquot;يسکن بلاد الغربةquot;، وقعت معه عندما کان في صدد السفر الى بغداد حين إلتمس منه صديق مغربي يعاني من عدم إنجاب زوجته للأطفال، أن يجلب له شيئا من تراب مرقد الشيخ عبدالقادر الکيلاني من هناك لغرض التبرك و المساعدة في الانجاب، فوعده خيرا، لکنquot;والکلام لصديقي الاعلاميquot;، عندما وصلت بغداد، إنهمکت بالکثير من المشاغل و الامور التي نسيت في غمرتها وعدي لصديقي، وعندما عدت هاتفني الصديق و رحب بعودتي و قال بفرح کبير: أکيد جلبت لي تراب عبدالقادر! فصعقت لأنني کنت نسيت الامر برمته، لکنني مع ذلك تدارکت الموقف وقلت: نعم لقد جلبته! ففرح الرجل و في اليوم التالي ذهبت للقائه ولم أنسى أن أحمل حفنة من تراب حديقة منزلي معي وعندما إلتقيت به و منحته التراب طار فرحا و شکرني کثيرا، وبعد فترةquot;والکلام لايزال لصديقيquot;، إلتقيت به و سألته: بشرني! ماذا حدث؟ فأجابني بهدوء قاتل: طلقتها!

اولئك الذين يقدمون النصح و المشورات للاسد و القذافي، هم أناس يفکرون بشئ واحد فقط وهو إرضاء الدکتاتورين، ولذلك فإنهمquot;أي مقدمي النصحquot;، وان کانوا يعلمون يقينا بکذبهم و دجلهم، لکنهم مع ذلك يتمنون في سرهم لو يحالف الحظ نصحهم و توجيهاتهم و تحدث المعجزة بأن ينقذوا نظام القائد من حالة العقم التأريخية التي يمر بها و ما من علاج إلا السقوط، ونصح و مشورات بطانتي الاسد و القذافي لاتختلف أبدا عن قصة صاحبنا أعلاه!