أقر نائب الرئيس السوري فاروق الشرع وآخرون ممن شاركوا في اللقاء التشاوري الذي انعقد في دمشق بين العاشر والثاني عشر من حزيران الجاري بأن الاحتجاجات الشعبية هي من سمح بعقد مثل هذا اللقاء التشاوري. إقرار نائب الرئيس السوري لم يمنع ميليشيات الجيش السوري و قوى الأمن و الشبيحة من متابعة عمليات القتل والاعتقال، الأمر الذي يرجح تكتيكية هذا الاقرار و افتقاده لما يترتب على مثله عادة من حديث عن الخطأ وإحساس بالذنب ونية في التراجع و القطع، على الأقل حتى يكون ذاك الإقرار عمليا وجادا.

بالعودة إلى ذلك اللقاء الذي قاطعته معظم أحزاب المعارضة و قواها و شخصياتها في الداخل والخارج، و الذي تطرق إلى العديد من الموضوعات التي شكلت طوال عقود مطالب الشعب الرئيسية، لقد كان أهم ما جرى تداوله فيه موضوع تعديل الدستور وإلغاء مواد منه وخاصة المادة الثامنة التي تعتبر حزب البعث هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع وكذلك سن قانون جديد للأحزاب يسمح بالتعددية السياسية وانتخابات ديمقراطية إضافة إلى ضرورة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي الذين وصل عددهم إلى الآلاف، على أن الملفت و قبل هذا اللقاء هو حديث للسيد الشرع قال فيه أن حزب البعث و حلفاؤه جميعا لا يحرزون سوى تأييد ثلث المجتمع السوري، و هو ما يؤشر إلى إقرار نادر أو على الأصح وحيد صدر عن موقع رفيع في السلطة بان للمعارضة السورية شارع عريض وهو إقرار طالما أنكرت فحواه في السنوات الماضية.

ما يستشفه المرء مما سبق، من حيثيات اللقاء التشاوري، من ما قبله مباشرة و ما بعده، يدلل على نحو واضح أن صورة ما غير تلك التي أراد النظام أن يروج لها في بداية حركة الاحتجاجات بدأت في التبلور والتشكل لدى النظام السوري والرئيس بشار الأسد على وجه الخصوص، صورة للوضع الذي تشهده البلاد ولسبل معالجته، صورة للمستقبل وكيفية التأسيس له والإعداد لهيئته اللاحقة، لكن الصورة تلك وكما يوحي استمرار المعالجة الأمنية وإفرازاتها القمعية تبدو وكأنها لا زالت بعيدة عن اعتبارها مواتية لتحقيق تطلعات المجتمع السوري وإنهاء النظام المستبد ومفاعيله وهياكله، فالنظام لا يزال عازفا عن الاعتراف بفشل الحل الأمني ناهيك عن البدء الفوري بإيقافه، ويبدو أن إيقاف المعالجة الأمنية القمعية الضروري جدا لتجنيب البلاد مزيدا من الآلام والعقد والتناقضات، لايزال أمرا متعذرا حتى بعد استشهاد أكثر من ألفي شهيد و حتى بعد الزج بالآلاف في السجون و المعتقلات و موت أكثر من 53 منهم تحت التعذيب الوحشي كالفتى حمزة الخطيب الذي هزت تفاصيل قتله و التمثيل بجسده ضمير العالم. كم من الوقت يجب أن يمر إذن كي يعي الرئيس السوري أن أفرعه الأمنية يجب أن تحل ويعاد هيكلتها سيما و أنها قتلت من السوريين ما يكفي لحفر جرح عميق في ذاكرة المجتمع السوري من الصعب أن يندمل بسهولة، متى ستكتمل الصورة لدى الرئيس بشار الأسد ليعي بأنه إن استمر على نفس المنوال في استهداف المتظاهرين فسيعرض نفسه وداعميه لمصير مأساوي لن يمنعه عنه و عنهم قمع و توحش أي بلغت عتبته. لن يثمر الحوار إن ترافق مع القتل و اجتياح المدن إلا حلولا مؤقتة، سيختزن عوامل تفجر ذاتية في المشهد السياسي القادم حتى و لو أنجز ذلك الحوار اتفاقا، أن يعترف الرئيس السوري بمسئولية نظامه عن القمع و يطلب صفح الشعب السوري و يسأله بداية جديدة هي العوامل التي ستجنب البلاد مصائر مأساوية مؤلمة، هذا الاعتراف بحد ذاته سيؤكد للسوريين حيازة النظام لإرادة سياسية حقيقية جديدة له قائمة على الوعي بالعلاقة التواصلية مع الآخر و نبذ العنف وإعادة تشكيل النظام السياسي وفقا لأسس تنهض على الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وتستند إلى اعتبار الديمقراطية المتمثلة بفصل السلطات الثلاث و احترام الحريات العامة و اللجوء الى صناديق الاقتراع كمبدأ يؤسس لتداول سلمي للسلطة، ذلك سيقع في وعي السوريين موقعا حسنا و سيمهد لفصول من الثقة والقدرة على بناء المستقبل معا، سيفوت ذلك على البلاد خضوعها لتأثيرات واستقطابات وعذابات طويلة و ربما حربا أهلية طاحنة لن يمحوها سقوط النظام في خاتمتها إن لم يزيدها كمونا لعشرات السنين القادمة.

فإذا لم تكتمل لديكك الصورة بعد يا سيادة الرئيس؟ أفلا تكتمل قريبا على النحو المشار إليه أعلاه ؟ ها نحن نترقب و ننتظر.