ساهم الاكراد في تأسيس الدولة العراقية لمرتين، المرة الاولى عندما وضعوا اولى نواة القوات العسكرية العراقية النظامية على يد نخبة من الضباط الوطنيين العراقيين باشراف وقيادة مباشرة من جعفر العسكري الكردي الذي شكل بعد ذلك اول وزارة عراقية فعلية عام 1923 أي انه ساهم في بناء الدولة بشقيها المدني والعسكري ..ومثلما شاركوا في تأسيس الدولة عام 1920 شاركوا ايضا في اقامة الدولة العراقية من جديد بعد ان سقطت وتهاوت بفعل ضربات القوات الامريكية عام 2003، فكانوا من المساهمين الاساسيين في تشكيل مجلس الحكم وتفعيل المؤسسات و كتابة الدستور والمشاركة في الحكومات التي تعاقبت على الحكم خلال هذه الفترة، ولولا وجود قواتهم العسكريةquot;البيشمركةquot;في العاصمة بغداد لفلتت الامور عن السيطرة وعاثت المجاميع الارهابية فيها الفساد..والغريب الذي لايصدقه العقل ولا المنطق انهم فعلوا ما فعلوه من دون مقابل يذكر، بل بالعكس قوبلوا في كثير من الاحيان باللوم والتقريع والتخوين وكوفئوا بالسحل والقتل الشنيع كما كان الحال مع نوري السعيد..ثم ماذا جنوا من حكومة quot;الشراكةquot;الوطنية الحالية ؟ لاشيء، لم يجنوا منها غير quot;وجع الراسquot;والخداع والمماطلة في تنفيذ الوعود والعهود والمواثيق الغليظة، فأهم وثيقة حصلوا عليها بعد أن ناضلوا من اجلها لسنوات طويلة واعطوا تضحيات جسيمة، هي المادة 140 الدستورية التي تعالج مشكلة الاراضي التي سلبتها منهم الانظمة المتعاقبة في بغداد ظلما وعدوانا على مدى عقود من الزمن، هذه الوثيقة الخطيرة المهمة تعطلت وركنت، ولم ينفذ منها بند واحد من بنودها على الرغم من مرور سنوات على تثبيتها في دستور البلاد.. لم اسق هذه الاستشهادات من باب التفاخر بالسياسةquot;الناعمةquot;التي تنتهجها الاحزاب الكردية، او التعريف بالاكراد وقضيتهم العادلة فهم معروفون للقاصي والداني وليسوا بحاجة الى تعريف، ليس هذا ما قصدته ولولا القضية التي اثارها النائب عن القائمة العراقية quot;مظهر الجنابيquot;لما اضطررت الى التذكير بذلك..

المعلوم ان الصراع بين القائمة العراقية التي يمثلها النائبquot;الجنابيquot; والتحالف الوطني ليس صراعا سياسيا فحسب بل صراع مذهبي طائفي بدرجة اساس، القائمة العراقية تمثل quot;السنةquot;والتحالف الوطني يمثلquot;الشيعةquot;وكلا الفريقين لديهما برامج سياسية وعقائدية مختلفة، وهذه الحقيقة ليست بخافية على احد، فقد اكدها رئيس البرلمان العراقيquot;اسامة النجيفيquot; قبل ايام عندما طالب باقامة اقليم سني بهدف تخفيف الضغط الطائفي عليهم، فالعلاقة بين الطرفين مأزومة اصلا ولا تحتاج الى من يعكرها، والثقة بينهما معدومة تماما ولا توجد ارضية مشتركة صلبة يقفان عليها ، فاما ان يأتي احدهم ويلقي بتبعة هذه المشكلة التاريخية/الفكرية/المذهبية/السياسية/النفسية العميقة بين الفريقين المتصارعين على عاتق الاكراد، ويتهمهم بانهم وراء تأزيمها من اجل quot;استقطاب الشركات والوجود الاجنبي والخبرات الى اقليمهمquot; كما يفعل النائب الجنابي، فان اقل مايقال عنه انه على درجة كبيرة من السذاجة والغفلة و يتهرب من الواقع والحقيقة ويتنصل من المسؤولية، بالاضافة إلى انه يردد نفس العبارات الشوفينية التي كان اقطاب النظام السابق يطلقونها على مناوئيهم جزافا.. ان كانت ثمة شماعة لابد للسيد الجنابي من تعليق اخطائه واخطاء اصحابه عليها، فلا يمكن ان تكون هذه الشماعة هي الاكراد قطعا، لانه لولا جهودهم ومساهمتهم المباشرة لما وصل الحال الى ماهو عليه الان ؛ من حكومة شراكة وطنية و برلمان منتخب و دستور متطور يضاهي دساتير الدول المتقدمة.

ولم يكن السيد النائب منصفا ابدا عندما قال ان (اتفاقية اربيل quot;يقصد المبادرة التي اطلقها رئيس الاقليمquot;عززت الفرقة السياسية بين الكتل وكانت على حساب العرب..) لا ادري كيف ان اتفاقية اجتمعت عليها الاحزاب السياسية جميعا والتزم ببنودها كل الكتل والفرقاء من دون استثناء واستقبلت لدى الدوائر السياسية العالمية بالحفاوة والاطراء، تعزز الفرقة والعداوة بين الكتل ؟ ربما كان السيد النائب غائبا عن المشهد السياسي عندما استعصى على النخب السياسية حل ازمة الحكم التي استمرت اكثر من سبعة اشهر، فجابت الارض عرضا وطولا مستنجدة الاصدقاء والاشقاء، ولم تبق دولة لم تزرها من اجل انقاذ العملية السياسية من خطر السقوط و الفشل، ولكن ما من مجيب، لم يمد احد يد المساعدة اليهم، الكل لزم الصمت..ولكن عندما جاءت النجدة من الاكراد لا من غيرهم بدأوا بالبحث عن مثالب وثغرات فيها بهدف افشالها، فلما لم يجدوا اية ثغرة فيها، أخذوا يطلقون التهم على عواهنها وينتقدون المبادرة جملة وتفصيلا من دون مراعاة للمسؤولية الاخلاقية والمهنية، فالهدف من المبادرة الكردية برأي quot;الجنابيquot; ليس من اجل احلال السلام بين الفرقاء العراقيين المتخاصمين وانقاذ الحكومة من السقوط المحتم، بل لقطع الطريق امام مبادرات عربية!! فهو يقول ؛quot;مبادرة رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني كان الهدف منها قطع الطريق امام أي مبادرة عربية مثل المبادرة التي دعا اليها العاهل السعودي الخاصة بحلحلة الازمة السياسية في العراق quot;.

ربما يتصور القاريء الكريم للحظة وهو يقرأ كلام النائب الهمام ان المبادرة السعودية جاءت قبل المبادرة الكردية وهذا غير صحيح، فالمبادرة التي قدمها رئيس الاقليم وجمع الفرقاء السياسيين عليها كانت في بداية شهر quot;اكتوبرquot; بينما طرحت مبادرة العاهل السعودي في quot;نوفمبرquot; أي بعدها بأكثر من شهر، فكيف جاءت المبادرة الكردية لقطع الطريق امام مبادرة السعودية التي لم تكن موجودة اصلا ؟! ام أنه مجرد توجيه تهم والسلام..

والادهى ان النائب المحترم يرجع اسباب الخلاف الشخصي بين اياد علاوي رئيس القائمة العراقية ونوري المالكي رئيس دولة القانون الى الطموح الكردي للاستيلاء على مقادير السلطة في بغداد، فهو يقول quot;وما نشهده من خلافات بين رئيس القائمة العراقية ورئيس الوزراء هي بسبب الطموح الكردي للاستيلاء على مقدرات البلاد وتوسيع نفوذه السياسي!!quot;

تذكرني قصةquot;مظهر الجنابيquot;هذا بقصة محلل سياسي سوري اجرت معه قناة فضائية لقاء ومن خلاله عرضت على شاشاتها صورة لشلة من عصابات الشبيحة السورية تقمع متظاهرين سوريين وتنكل بهم بوحشية، ولما سئل المحللquot;الكبيرquot; عن اصل الصورة التي استنكرها العالم، اجاب بكل وقاحة ان الصورة لا تخص الشبيحة ولا تمت الى متظاهرين سوريين بصلة، بل هي لـquot;بيشمركةquot; اكراد عراقيين وهم يقمعون متظاهرين اكراد، نفس المنطق المعوج والكذب المكشوف والحساب الخاسر.. وقديما قالوا : اذا لم تستح فاصنع ما شئت..
[email protected]