كلمة الدستور ليست عربية الأصل البعض يرجعها إلى اللغة الفارسية أُدخلت للعربية عن طريق اللغة التركية، وتعني التأسيس أو التكوين. يُعرف الدستور علي أنه مجموعة المبادئ الأساسية المنظمة لسلطات الدولة والمبينة لحقوق كل من الحكام والمحكومين، والواضعة للأصول الرئيسية التي تنظم العلاقات بين مختلف سلطاتها العامة، او هو موجز الإطارات العامة التي تعمل الدولة بمقتضاها في مختلف الأمور المرتبطة بالشئون الداخلية والخارجية، ويعرفه البعض بأنه القانون الأعلى أو أبو القوانين التي لا يجوز لأي تشريع أخر مخالفته، ومن هنا تأتي أهمية الدستور.

وبعد سقوط النظام السابق علي يد شباب الثورة تم سرقة الثورة من يد من صنعوها وضحوا بدمائهم لأجل نجاحها، لصالح التيار الإسلامي في اتفاق محسوس وملموس ولكن غير معلن عنه بين المجلس العسكري والتيار الإسلامي، فتم تشكيل لجنة لتعديل الدستور في حين كان طلب الثوار دستور جديد للبلاد، رأس اللجنة واحد من المحسوبين علي التيار الإسلامي وهو طارق البشري وضمت في عضويتها المحامي صبحي صالح، والأخير كل من أستمع إليه يتعجب كيف اختير هذا الرجل في لجنة تعديل الدستور؟؟؟

وبعد شعورهم بسرقة علنية لثورتهم عاد الثوار لميدان التحرير مرة أخري ونظمت مليونية الثامن من يوليو وكعادتهم أعلن الإخوان عدم مشاركتهم ثم تراجعوا واشتركوا ثم قاموا بفض اعتصامهم في نفس اليوم وهذا ليس بغريب، فقبل ثورة يناير أعلن الإخوان عدم انضمامهم أما السلفيون فقد أعلنوا أن الخروج علي الحاكم هو خروج علي شرع الله!! وعندما تيقن كلا الطرفان من قوة الثورة سارعوا بالانضمام لها!!! وهذا هو أسلوب التيار الإسلامي منذ تأسيسه أليسوا هم من هتفوا quot; الله مع الملكquot; ضد شباب الوفد الذي كان يهتف quot; الأمة مع النحاسquot;.

والثوار يطالبون بمحاكمة عادلة لأفراد النظام السابق وإن كنت اتفق معهم تماما في ذلك ولكن علينا أن نأخذ من نيلسون مانديلا درس وعبرة وهو الذي انفصل عن زوجته لأنها كانت تطالبه بالانتقام؟ وقال لها علينا أن نهتم بالبناء أولا وكم أعجبتني رسالة الرجل العظيم للثوار في مصر وتونس التي طالبهم بالاهتمام ببناء بلديهما. ومحاكمة النظام السابق لم تكن السبب الوحيد في عودة الثوار للتحرير بل أن عودتهم كانت أساسا من أجل quot; الدستور أولاquot;، ولا ندري كيف يحاول الجميع تضليل العالم بإخفاء مطلب الثوار الرئيسي وكأن التيار الإسلامي قد سيطر علي الإعلام بالكامل؟؟؟.

البعض يطالب بالشرعية وبإجراء الانتخابات أولا ويستند لنتائج الاستفتاء الأخيرة التي جاءت بنتيجة كبيرة لصالح التعديلات، لكننا نري ان الاستفتاء باطل وهذه هي الأسباب.

أولا اختيار طارق البشري وصبحي صالح من بين خمسة آخرين بالإضافة لثلاثة مستشارين من المحكمة الدستورية العليا، دليل علي عدم شرعيتها أساسا.

ثانيا: اشتراك دور العبادة سواء من دعي لquot; نعمquot; أو من دعي ل quot;لاquot; يبطل نتائج الاستفتاء لأنه دور العبادة للصلاة فقط وتدخلها في أمر سياسي هو أمرغيرشرعي.

ثالثا: تحيز المجلس العسكري ل quot;نعمquot; فقد أجريت الانتخابات يوم السبت بعد شحن الناس في خطبة الجمعة، ومن المؤكد أنه لو كانت الانتخابات يوم الخميس مثلا لما خرجت بهذه النتيجة!! ومن اختيار دائرة خضراء ل quot; نعمquot; وسوداء ل quot;لاquot; و الترويج من خلال الإعلام الرسمي أن نعم تعني الاستقرار مما أثر في خداع البسطاء من الشعب.

رابعا: ظهور طارق البشري علي قناة الجزيرة يوم الجمعة ليقول لماذا نعم للدستور وتكرار الإعلان عن ذلك اللقاء في القناة يبطل كل ما قام به بوصفه رئيس للجنة تعديل الدستور، فهو كقاضي وحكم أنتهي دوره عند وضع التعديلات وعليه ترك الاختيار للناحبين دون التأثير علي إرادة الناخبين.

خامسا: قيام التيار الإسلامي بشراء أصوات الناخبين عن طريق توزيع المواد التموينية مما أثر علي أرادة الناخبين وهو ما ثبت في الكثير من الدوائر.

بعد كل هذه الانتهاكات عن أي شرعية للاستفتاء تتحدثون فلا شرعية لاستفتائكم سوي في عقولكم ولن نقف مكتوفي الأيدي إزاء محاولة سرقة الثورة لصالح التيار الإسلامي.

إذا ونظرا لأهمية الدستور يطالب الثوار بأن يكون الدستور أولا ويطالبون بتأجيل الانتخابات حتي يأخذون وقتهم في تجهيز أنفسهم لهذه المعركة وإلا سيعود فلول الحزب الوطني مرة أخري مع الإخوان ليسيطروا علي البلد ويذهب دم الشهداء هباء!! وقد أعجبني رد طارق حجي علي من يتشدق بالأغلبية بقوله أن الأغلبية في مصر quot; أميةquot; فلو سلمنا لهذا القول فعلينا اختيار رئيس وزراء أميٌ ليختار وزرائه من الأُميين أمثاله، أليس هذا هو منطق الأغلبية؟؟؟

على المجلس العسكري الانصياع للثوار فهو يستمد شرعية وجوده من الثورة، وعليه تشكيل لجنة تضم كل القوي السياسية ولا ينحاز في تكوينها لتيار بعينه، ثم يوضع دستورا للبلاد بعدها تجري الانتخابات فليس من حق الأغلبية الانفراد بوضع الدستور فالديمقراطية تعني حكم الأغلبية في شطرها الأول وصيانة حقوق الأقليات في شطرها الثاني ولن تكون هناك ديمقراطية بأحدي الشطرين بل بكليهما، وكما قلنا قبل ذلك أن صندوق الانتخابات ليس هو الديمقراطية بل هو أحد مراحل العملية الديمقراطية، ثم ماذا يخيف التيار الإسلامي من أن يكون الدستور أولا إذا كانوا واثقين في فوزهم بالأغلبية ألا يستطيع مجلس الشعب تعديل الدستور في محاولة تصويت ثلثي أعضاءه؟؟؟ أم أنهم يشعرون أن شعبيتهم في تناقص مستمر لصالح التيار الليبرالي بعد تسليط الضوء عليهم وخروجهم من الجحور إلي النور، وكيف تسرق ثورة من بين أيادي من صنعوها وضحوا بدمائهم لأجل نجاحها، أنني أطالب ثوار التحرير بالاستمرار في اعتصامهم حتي يتحقق مطلبهم الأساسي الذين خرجوا لأجله وهو الدستور أولا.