قرأت مقالة الزميل عماد رسن في إيلاف.. تحت عنوانالإسلام والعلمانية.. والتي تستنبط ومن خلال الآيات الإيجابية.. بأننا من الممكن الأخذ منها بما نتصالح به مع العالم من حولنا وأيضا بما يسهّل الحياة ومجاراة العصر بما يفيد مجتمعاتنا ويحافظ بل ويقوي من إحترام قيم الوقت والعمل وغيرها من القيم التي لا تمس الإيمان بشيء.. لكنها في رأيي أساس الإيمان.

كنت قد دعيت إلى قناة ال بي بي سي العربية للتعليق على قضية إحتد الجدل حولها مؤخرا وهي تحدي المرأة السعودية للتقاليد وإدعاء البعض بأن النساء في السعودية يستغلون الإنتفاضات العربية في الدول العربية المجاورة .. للفت الأنظار عالميا إلى قضية تمس أبسط حقوقهن.. وهي قيادة السيارة وفيما إذا كانت من حقوق المرأة أم أنها تلبية لحاجة ملحّه لتمكين المرأة من قضاء حاجياتها بنفسها بدل الإعتماد المطلق على الزوج أو الذكر في الأسرة.. ولتقليل من الإعتماد على السائق الأجنبي كما في الأسر المسيورة..
الحق يقال بأنني أعرف بأن هناك أولويات عديدة تتطلع المرأة السعودية إلى نيلها تفوق في أهميتها قضية السماح لها بالقيادة وعلى رأسها التعامل معها كإنسان كامل الأهلية بدل التعامل معها وطوال حياتها على أنها قاصر.. بحاجة إلى التصويب المستمر.. وبأنها لا تملك من الأهلية ما يؤهلها لإستخراج بطاقة هوية .. أو السفر بمفردها حتى وإن وصلت من العمر ما فوق الخمسين.. فهي لا تملك من أمر حياتها ودنياها شيئا وتبقى بحاجة إلى ولي الأمر حتى وإن كان أصغر أبنائها ليأذن لها بالخروج أو الدخول.. وهو ما يتعارض كليا مع ما لمسه الجيل الجديد من النساء اللواتي تعلّمن الإعتماد على النفس والإستقلالية خلال مراحل التعليم الجامعي خاصة خارج المملكة.

هذا المنع يستند إلى فتوى تريد تطبيق تفسيرا متشددا للإسلام صدرت من الشيخ الراحل عبد العزيز الباز عام 1411 هجرية تقضي بعدم جواز قيادة المرأة للسيارة ووجوب معاقبة من تقوم بتحدي هدا الحظر.. وأعترف بأنني كثيرا ما أتجاهل السلبيات التي يبثها رجال الدين وأحيانا أكتب عنها متحدّية لها ولكني وحين أجد كلاما يستند إلى العقل والمنطق الذي يتماشى مع المظاهر العصرية الضرورية لتطوير المجتمع فإنني لن أتردد في إحترامه والإستناد إليه لخدمة قضية تمس المجتمع باكمله..

وفي هذا فإنني أستند إلى كلام الشيخ عائض القرني الذي أكد أن حرمان المرأة من القيادة لا يستند إلى أي دليل شرعي.. ومن منطلق إيماني بأن الدين يسر وليس عسر.. وأن الضرورات تبيح المحظورات وأن الدين في حال الأخذ منه بما يتناسب مع العصر و الضرورات يصلح لكل زمان ومكان.. خاصة وأن هناك الكثير من قصص التراث التي تتغنى بمشاركة المرأة للرجل في الحروب.. إضافة إلى ركوب السيدة عائشة للجمل.. ومن الممكن إعتبارهما في هذه الحالة سند شرعي لقدرة وحق المرأة للقيادة.. خاصة وأن قيادة السيارة لتخفيف أعباء الحياة على المرأة السعودية أصبحت ضرورة وليست مجرد تحدي للخروج عن المألوف..

إضافة إلى أن هذا الحرمان يتعارض كليا مع مصادقة المملكة السعودية عام 2000 على إتفاقية سيداو والتي تقضي بان تعمل الحكومة السعودية على القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة .. ومنع المرأة من القيادة بينما يتمتع الرجل بهذا الحق شكلا من أشكال التمييز..

من هنا أرى بأن تدخل الملك عبد الله الفوري لوضع حد لهذا الجدل ضرورة بحته تستند إلى تدخل الملك الراحل فيصل ( رحمه الله ) بموضوع بناء مدارس لتعليم البنات في المملكة برغم ما أحاطها من لغط مماثل وهي السابقة الإيجابية التي أدت إلى تعليم الإناث..

إن تدخل جلالة الملك في هذه القضية لا يجب أن يؤخذ على أنه إنتصار لتيار ضد تيار آخر.. بل هو إنتصار للمجتمع السعودي بأكلمه لتحسين الصورة القاتمه التي تخرج إلى الإعلام الغربي.. إضافة إلى أن هذه الخطوة الجريئة ستكون إستكمالا لخطوات الإصلاح الإيجابية و البناءة التي يقوم بها الملك عبد الله والتي إبتدأها بإفتتاح أول جامعة سعودية علمية مختلطة..

إضافة إلى أن هناك العديد من التقارير الدولية التي تؤكد ملل المرأة من كثرة خروج الزوج وتركها بمفردها..وبالتالي فإن السماح لها بالقيادة هو أفضل وسيله لحمايتها من وجود السائق الأجنبي..

حقيقة أن هناك العديد من النساء من غير الميسورات واللواتي ليس لديهن سائق.. ولكنهن لا يستطعن الإعتماد على الزوج أو الأخ .. كما وعلينا الإعتراف بأن هذا الإعتماد المطلق على الرجل يؤثر في نقص إنتاجية الرجل.. وإلى عدم التركيز في مهامة الوظيفية..

إن رفض بعض الرجال لحق المرأة في القيادة.. ليس إلا تأكيدا لما قاله العالم السعودي قيس المبارك quot;quot; بأن هذا المنع فقط لأن الرجل يريدها أن تبقى منقادة وليست قائدة لنفسها للإستمرار في ممارسة سلطته عليها quot;quot;..

وأضيف بأن هذا التشدد هو ما سيؤدي إلى قرار السيدات تحدي هذا القرار الجائر.. إن عاجلآ او آجلآ..

باحثة وناشطة في حقوق الإنسان