إعتدت أن أنأى بنفسي عن الدخول في تحليلات الوضع السياسي لأي من الدول العربية. فهو أمر خاص بمواطنيها أنفسهم.. وحسن حظي فقط هو ما جعلني مواطنة.. أحمل جنسية بريطانية أعطتني الإحساس بالأمن وإحترام حقوقي كلها وارتقت بي لأن أعامل معاملة إنسانية في أي من مطارات العالم بدل الإشتباه والخوف.. بمجرد حمل أي من جنسيات الأقطار العربية.. ولكن ضميري يأبى التخلي عن جذوري العربية والتي كثيرا ما أشعر بظمأها وخوفها على المواطن الإنسان العربي..هو ما يدفعني دفعا للدخول في متاهات السياسات العربية التي تأبى لإنسانها الحياة الكريمة حين تنأى حكوماتها عن المساواة والعدل بين المواطنين في مواطنة حقة لا تكترث للون أو دين وهي أسا س الديمقراطية الحقيقية...وأساس الحماية لكل المواطنين وهي الوظيفة الأساسية للحكومة.

حينها.. أجد أن من واجبي أن أؤكد بأن سيادة وإحترام القانون هو أساس الديمقراطية.. وأن الإلتزام به وتطبيقة على المواطنين سواسية هو الحماية الحقيقية لمستقبل وأمن الدولة وأمن المواطن حتى من الفتنة نفسها....

شهدت بنفسي قبل أيام محاكمة المتهمون في الفتنة الطائفية التي حدثت في إمبابة قبل أشهر.. وخوف المحكمة حتى من الجمع مابين المتهمين المسلمين والأقباط في قفص إتهام واحد.. مما زادني خوفا وتأكدا بأن النعرة الطائفية بلغت مداها.. والسبب إستمرار غياب العقوبات الرادعة والفورية للمسؤولين عن أعمال العنف التي يقومون بها ضد الآخر.. وهو ما يشجعه على المزيد من أعمال العنف.. إن غياب القانون هو الغطاء الواقي للجاني بأن يستمر في أعماله العنفية.. أما إنعدام العدل فهو السبب الرئيسي في تأجيج هذه الفتنة والعودة مرة اخرى لدائرة الطائفية المحرقة والمغلقة..

إن إنعدام العدالة والمساواة في قانون واحد يخضع لدستور يستند ويؤكد أن حقوق الإنسان كلها واحدة لا تتجزأ ولا تختلف بإختلاف اللون أو الجنس أو العقيدة هو سبب الإحتقان الطائفي وسبب وجود معارضة مستعرّة في لبنان ممثلة بحزب الله والمفروض أنه نشأ للدفاع عن حقوق الشيعة في لبنان.. ولمن وبحكم التمويلات والمصالح الخاصة والعامة.. أصبحت هذه المعارضة شوكة في حلق الإنسان اللبناني لا تدافع عن مصلحة البلد وأمنه.. لأنها تحالفت مع قوى خارجية لإحقاق حقوق مواطنيها الشيعة. وأصبحت مشغولة بالدفاع عن حقوقهم بدل الدفاع عن حقوق جميع المواطنين..وتلتزم بأجندة دولة خارجية لا تهتم بالمواطن البناني قدر إهتمامها بأطماعها في تسيّد المنطقة العربية وفي محاربة العالم الغربي كله..

ما يحدث في لبنان حاليا وعجز الحكومة عن الإلتزام بأمر المحكمة الدولية بالقبض على الأربعة المتهمين في قضية إغتيال الحريري... يضع الحكومة اللبنانية أمام إمتحان صعب للغاية.. كيفية الموازية ما بين الحفاظ على الأمن الداخلي خوفا من إشتعال الطائفية والتي لا ينقطع السيد حسن نصر الله عن التلويح بتأجيجها.. و كيفية الحفاظ على هيبة الحكومة دوليا.. وتأكيد إحترامها للقانون الدولي وأنها عضو في الهيئة الدولية...

إن عدم تقديم هؤلاء المتهمون للقضاء بعد التهديدات اللفظية المستعرة من السيد حسن نصر الله.. الذي لا يفتأ عن إستعمال العنف اللفظي.. والإرهاب الكلامي.... هو ما سيخدم كل القوى المعادية للبنان وللمنطقة العربية كلها ومن ضمنها إسرائيل... ويعطيهم الحجة للتأكيد بخطورة حزب الله على بلدة وعلى الدول المجاورة في إرتباطة القوي مع الأجندة الإيرانية.. إضافة إلى تأكيدة بأن الحكومة اللبنانية لا تحترم قرار المحكمة الدولية.. وقاصرة عن إرساء البنية التحتية للديمقراطية وللعدالة القضائية التي يجب أن تنفّذ بغض النظر عن الدين أو الإنتماء الطائفي. وأنها (إسرائيل ) الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.. ( وهي بالتأكيد دعاية كاذبة لأن ديمقراطيتها تميّز ما بين اليهودي والإسرائيلي من أصل عربي ).
.
وأنني وبرغم إعتقادي بأن عدم القبض على هؤلاء المتهمون وتقديمهم لمحاكمة علنية ما هو إلا محاولة يائسة من الحكومة اللبنانية للحفاظ على عدم إندلاع نيران الطائفية بهدف المحافظة على الأمن الداخلي..إلا أن هذه المحافظة تعني أيضا بأن لا قانون يعلو فوق قانون الطائفية والخوف منها... إن محاولة الحكومة التفلّت من مسؤوليتها في القبض على المتهمين.. هي المحاولة اليائسة والبائسة للحفاظ على التوافق السياسي ما بينها وبين حزب الله.. خوفا من إستعمال سلاحه ضد الحكومة ذاتها أو توجيهه مرة اخرى في عملية قرصنة فاشلة ضد إسرائيل التي تستعد بإستمرار.. ومصممة الآن على القضاء الكلي على الحزب وصواريخه إن حاول التحرش بها ؟؟ وهو بلا شك موقف خطير يؤكد تدخل قوى خارجية تريد تمرير أجندتها وخطتها في تسيّد المنطقة العربية.. لوضع لبنان بإستمرار في فوهة مدفع موجه لإسرائيل بغض النظر عن ما يريدة المواطن اللبناني نفسة أو مصلحة هذا المواطن أو قدرته على تحمل تكاليف عمليات حربية دمّرت الخضر واليابس في السابق!

إن إدعاء الحكومة بوجود خمسة وثلاثون الف مطلوب لا يبرر لها إطلاقا عدم القبض على الأربعة المتهمون بعملية الإغتيال..إن إستمرار غض النظر عن أن هناك قوتين مسلحتين في بلد واحد.. وأن هناك قوانين مختلفه تحكم كل طائفة ووجود حكومة شكلية فقط.. يضع المواطن في حيرة وفي خوف على نفسه وعلى مستقبله في بلد يسير نحو تدمير نفسة وتدمير مواطنية في دولة بلا قانون..

الديمقراطية الحقيقية التي لا تميز بين مواطنيها.. وسيادة القانون هي الحل الوحيد.. وليست الديمقراطية التوافقية لأنها تبقي كل شيء في مكانه وتشل حركة التطور الإيجابي والطبيعي للمجتمع..


باحثة وناشطة في حقوق الإنسان