اتسعت قاعة فندق الصحارى بدمشق لما قيل بأنه اللقاء التشاوري الممِّهد للحوار الوطني، والذي ضمّ كل ألاطراف الموالية للنظام، باستثناء شخص أو اثنين، كان من بينهم المفكّر السوري؛ الدكتور الطيب تيزيني، الذي حتّى قبل سنوات، كان يصف النظام السوري بـquot;النظام الأمني الوطني!quot;، وفي هذه الجلسة، طالب quot;بتفكيك الدولة الأمنيّة!quot;. ومع خلوّ القاعة، من أيّ شخص، له آصرة بالطيف المعارض، كرديّاً وعربيّاً، اقتصر الحشد على أبواق النظام وأزلامه وحاشيته. وباستثناء ما طرحه تيزيني في كلمته، وما طرحه د: آزاد علي، كل ما قيل على أسلنة من تحدّثوا، غمز من سياقية الهدف الحقيقي من هذا المؤتمر، وهو توجيه النقد أو اللوم او العتب...، للنظام، ومحاولة تبرئة رأسه مما تشهده سورية من حالة حرب على شعبها، في مسعى تمييع الأمور وكسب الوقت. ذلك أن مقتل نحو 1500 شخص، وإصابة أضعاهم بجراح، واعتقال ما يزيد عن 10000 شخص، ونزوح من يزيد عن 20000 شخص عن ديارهم الى تركيا ولبنان والاردن، لم يكن بفعل كارثة طبيعيّة، زلزال أو بركان أو تسونامي ضرب سورية، بل ان هذه الفاتورة الفلكيّة، تشير، وبما قطع الشكّ باليقين، أن سورية تعيش حالة احتراب داخلي. وبالتالي، أي حوار وطني مثمر ومخلّص، يحرر البلاد من دولة الأمن والشبّيحة، يمكن أن يأمله المرء من هذا اللقاء المنعقد وسط هذا الجوّ المتلبّد والقاسي من القتل والاعتقال والتهجير، ومع مقاطعة كل تفاصيل الطيف المعارض له!؟ كاتب كردي سوري
بدا جليّاً، ان المغزى من هذا المؤتمر، هو عقده وحسب!، وبمن حضر!، وكيفما اتفق!. ذلك أن الهدف منه، ليس مخاطبة الداخل، بقدر ما كان نزولاً تحت ضغط الخارج، الذي كان ولا زال يدعو النظام مراراً للتحاور مع المعارضة. ولكن، لكل حوار، مبادئ وشروط وبيئة تأمّن له فرص النجاح، وإلاّ لغدا حواراً لأجل الحوار وحسب. والحال هذه، من فادح الخطأ أن يدعو البعض قوى المعارضة السورية للدخول في حوار مع النظام. والأكثر دقّةً وصواباً وإنصافاً، أنه على النظام، أن يسعى حثيثاً للدخول في الحوار مع المعارضة، وتأمين شروط وأسباب ومناخات إنجاح هذا الحوار. ذلك ان النظام يتحمّل وِزر ومسؤوليّة تغييب الدولة والمجتمع في سورية، لصالح تقويّة سلطة الاستبداد والفساد، على مدى نصف قرن تقريباً. وهو الذي يتحمّل مسؤوليّة هذه الدماء التي أريقت، والآلام والفظائع التي حصلت خلال الأربع أشهر الماضية. وعليه، كان النظام، في لقائه التشاوري المنعقد بدمشق يوم 10/7/2011، يحاور نفسه، لا أكثر ولا أقلّ.
ورغم الارتباك والتناقض الذي كان يكتنف خطاب نائب الرئيس السوري، فاروق الشرع، لجهة وصفه للحوار بأنه quot;ليس منّة من أحد على أحد. ولا يمكن اعتباره تنازلاً من الحكومة للشعبquot;، ثم قال في مكان آخر: quot;ما كان لهذا اللقاء أن ينعقد، لولا تلك الدماء التي أريقتquot;!، وبالتالي، لا شكّ أن الأيّام القادمة، ستشهد المزيد من إراقة الدماء، والمزيد من القمع والسحق الدموي. وبوادر ذلك، لاحت في اللقاء التشاوري، حين قال الشرع: quot;التظاهر غير المرخّص، سيريق المزيد من الدماءquot;!. وفي هذا الكلام، تكرار لما قاله الأسد في خطاباته السابقة، ولما قالته وزارة الداخليّة السوريّة في بيانها، قبل أشهر.
في مطلق الأحوال، الجديد _ القديم في ذلك اللقاء التشاوري، هو السماح بالكلام، والكلام فقط. تماماً، كما اعتاد الشعب السوري على سماع انتقادات للنظام ومنظومته الأمنيّة القاسيّة والجشعة، في الدراما السوريّة، كمسلسلات quot;مراياquot; وquot;بقعة ضوءquot;، دون أن يحول هذا الكلام (الناقد) من هرس مسننات عجلة الاستبداد والفاسد الحاكم، لجسد الدولة والمجتمع، على مدى عقود. تماماً، كما تهرس مجنزرات الجيش والأمن السوري حاليّاً أجساد المتظاهرين في المدن السوريّة. وبالتالي، ستقول هذه المؤتمرات واللقاءات الكثير من الكلام والوعود والتوصيات والقرارات، وسيواصل النظام اقتراف ما يناقضها وينسفها. ما يحيلنا للقول: إن النظام يريد إسقاط نفسه. قائلاً: فلتسقط الدولة وليسقط المجتمع والوطن معي.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات