كأنه قدر حتمي لافكاك منه، وطريق مرسوم نحو النهايات المأساوية المكتوبة برجاء الروح المحبطة من خذلان الحظ السعيد.. سرتُ من طرف واحد معاندا أقداري وسوء الحظ الذي يرافقني كظلي.

هرعت نحوها، ونثرت مشاعري أمامها منذ عشرة سنوات، وتركت لها الخيار، كنت مثل جميع العشاق أتعلق بالأمل والأوهام وأُبعد عني كل شيء له علاقة بالعقل والمنطق والواقع، ففي الحب لاينفع غير الجنون والتحليق عاليا في سماوات الحُلم وأوهام تحقيق المستحيل.

إتفقت معها على موعد اللقاء بمناسبة عيد ميلادها.. أردت أن أكون أول المهنئين لها، إستبقت الزمن والجميع، وتحدثت معها واتفقنا على الموعد ووافقت بشرط عدم تقديم أية هدية لها، وقبل الموعد بيوم واحد ذكرتها به وأجابتني (( مؤكد سآتي إلا اذا غيرت رأيك )) ياللهول.. أنا أغير رأيي... والشوق يغلي في روحي للحظة اللقاء!

لست أدري لماذا إشترطت عدم تقديم الهدايا لها.. هل هو من باب الرأفة بظروفي المالية، أم التعالي والتكبر وعدم الرغبة بأن تكون مدينة لي بالجميل؟

في المساء الذي سبق يوم اللقاء بدأت تتحرك في داخلي هواجس مقلقة.. كبرت وصارت حدسا يقترب من اليقين يتنبأ بعدم حضورها للموعد المتفق عليه.. طوال عمري كان حدسي مخلصا معي في صحة توقعاته وقفزه الى النتائج بشكل فوري، وفي هذه المرة كان انذاره قويا وواضحا وهو يخبرني : سوف لن تحضر الى الموعد، وكانت هذه من المرات القليلة التي أتخلى فيها عن الخيال والأوهام في الحب واصغي الى منطق العقل ومافوق العقل.. الحدس والإستبصار وإستشراف المستقبل، لقد قضيت مدة طويلة في دراسة العلوم الماورائية وخصوصا علم الباراسايكولوجي.

في الصباح نهضت مهموما حزينا.. وقررت مغادرة شقتي مبكرا كي لاأعطيها فرصة الإعتذار.. كنت متأكدا انها ستتصل، وأردت إخضاعها لآخر اختبار وحسم الأمور معها، وقلت في حال لم تستطع مكالمتي واخباري بإعتذارها : هل ستأتي إحتراما للموعد؟

خرجت قبل وقت الموعد بحدود خمسة ساعات، وذهبت الى المكان المتفق عليه للقاء، كان الجو باردا بقساوة والثلوج تهطل بغزارة، دائما أتساءل : لماذا لايعذب الله البشر بالبرد بدل نار جهنم؟ ورغم يقيني انها لن تأتي.. لكني أردت تعريض نفسي الى موقف يشحنها بالغضب ويقوي فيها ارادة تنفيذ قرار وقف التواصل معها، كان حبا من طرف واحد، وكنت الطرف المبادر دائما في الإتصال والتواصل معها.

في الحب من طرف واحد تتسلى المرأة بالعشاق وتدغدغ إنوثتها ونرجسيتها بهم، وتستعملهم أشبه بالمقبلات أثناء جلسات السمر والفرفشة مع الصديقات، وكي تعطي أهمية أكثر لنفسها غالبا ماتشير المرأة الى الرجل الذي يحبها من طرف واحد (( مسكين يعذب نفسه من أجلي، يحبني لدرجة العبادة...)) وتعلوا ضحكات الغنج والدلال والغرور!

فات على وقت الموعد أكثر من ساعتين وأنا أنتظر لقطع الشك تماما، ولم تحضر وصدقت توقعاتي.

هل كانت ترتشف القهوة بينما هي تنظر من الشباك الى تساقط الثلوج مزهوة ومنتشية بجمالها وإنوثتها ورصيد المعجبين... هل تذكرت اني مزروع هناك حيث إتفقنا على مكان اللقاء (( ليذهب الى الجحيم هو ومشاعره )) أتراها قالت هذا عني وهي تطلق العنان لخيالها مستحضرة صورة فارس أحلامها المرتجى؟

رجعت الى البيت، ووجدت خمس إتصالات هاتفية منها مسجلة على الأنسر مشين، ورسالة اعتذار عن الحضور عبر الأيميل.

انتظرت يوما كاملا.. من اجل معرفة طبيعة مشاعري وجدية قراري بوقف التواصل.. فوجدت نفسي مصممة، كتبت لها رسالة قصيرة قلت فيها : إعتذار كِ غير مقبول، وبما انك لم تحترمِ الموعد... قررت وقف التواصل معكِ (... )

اجابتني : لم أكن أتوقع صدور هذا الكلام عنك (... )

هل كانت واثقة بنفسها لدرجة الغرور في عدم قدرتي على وقف التواصل معها، أم ثقتها بحبي صورت لها سهولة غفران تلك الخطيئة؟

ومابين حريتها ف إختيار حياتها.. ورغبتي العارمة بإمتلاكها. أليس الحب إمتلاك للآخر؟ مازالت مسفوحة روحي على دروب الخيبة وقساوة الأقدار... مذبوحة أحلامي بخنجر الفجيعة بالناس، أبحث بين نجوم السماء والمجرات السحيقة عن العدالة.. أين الخطأ هل في المعايير التي نقيس بها الإنسان.. أم في طبيعة الإنسان نفسه الذي نرفض الإعتراف بأنه كائن شرير يجمل نفسه بالملابس الأنيقة والكلمات البراقة!

هل هي حقا نهاية للحب من طرف واحد.. أم وقف للتواصل فقط؟

[email protected]