في وقتٍ يصبح الحكيم فيه حيرانا وتتلاشى الحكمة في فوضى الأحداث وتدافعها ، في ظلّ مواقف دولية تحكمها المصالح والمنافع، وفي غياب كل احترام واعتبار لكرامة الإنسان، تزدحم التساؤلات ملحة حول جدوى quot;فوضى المواقفquot; و هيمنة الصمت ودخول المحاور، في حين تدار فيه الجرائم يوميًّا وتستنزف دماء البشر في عصر الألفية الثالثة التي افتتحت بأبشع الجرائم التي عرفتها البشرية.

لا ندري إن كانت ورود الربيع العربي مضرخة بدماء الأبرياء بيد أن إشكالية الحرية وكرامة الإنسان تستباح يوميا بذرائع quot;وطنيةquot; ، وكأن الوطنية لا تستقيم مع الكرامة !
و يُتهم الأطفال والشباب الذين لا ذنب لهم سوى أنهم أرادوا تنفس الحرية بالعمالة والتخوين.فيما يعمل quot;هواميرquot; الساسة المحلية والدولية من الموالين للسلطة ومن المعارضين لها على استغلال عنفوان الشباب واستغلاله لفرض quot;السلطةquot; الجالبة للمنافع.

مزعجٌ جدا هيمنة quot;الصمت quot; المطبق الذي لازم بعض quot;المثقفين الأحرار quot; ممن نعرفهم جيدًا في سوريا مثلا وغيرها من الدول الذين طالما انتقدوا القمع في سرهم ولم يجرؤا حتى الآن على quot;قول كلمة حق عند سلطان جائر quot; وهم يعلمون تمام اليقين فظائع الجرائم ... حاولت أن أبحث لهم عذر لصمتهم المطبق الذي يشبه حد التواطؤ.

ربما يخافون! وربما يخشون أن تُصادر مواقفهم من قبل quot;بعض هوامير المعارضة quot; التي لا تشكل سوى وجه آخر من وجوه النظام ... و ربما صمت البعض لأنه يرى أن مواقف سوريا في سياستها الخارجية الممانعة تعفيها من شرورها وموبقاتها الداخلية.

أيا يكن هذا الصمت فانه يصبح تواطؤا ضد إنسانية الإنسان عندما تبلغ شراسة القمع والعنف ما بلغته.
وأتساءل: هل يرغب الأحرار في الوصول إلى quot;السلطةquot; وهل يحلم طفل يقاوم عنف القمع بصدره العاري أن يسوس البلاد- وهو بالمناسبة حلم مشروع- ؟
والجواب ربما على حد قول جبران quot;إنّما الرجل العظيم ذلك الذي لا يسود ولا يُسَاد !quot;
نعم الحرية الحقة ليس من طبيعتها الاستيلاء على السلطة، ولا يمكن أن تَكون هَذه هي غاية الأحرار لان بوسعهم مراقبة السلطة بفعالية دون تولي مقاليد الحكم.

ومفهوم quot;السلطةquot; يُشكل نِقطة محورية لفهم العلاقة الجدلية القائمة حول إدارة quot;الهيمنةquot; والنفوذ وموازين القوى، وقد حَمَل هذا المفهوم تشابكًا غير مسبوق، وتعقيدًا بالغًا مع تطوّر الحياة المدنية، الأمر الذي جعل الفكر quot;السياسي ndash; الاقتصادي ndash;الدعائيquot; هو المحتكر والمتحكّم للحديث عن السلطة، وغالبًا ما تُعَرَّف السُلطة، بأنَّها سلطة الدّولة ، أو السلطة السياسية وأنَّها عبارة عن مؤسساتٍ وأنظمةٍ وأجهزةٍ، تُخضِع المواطنين أو الرعايا لقوانينها داخل حدود دولة ما .

لذلك فإن مفهوم السلطة بهذا المعنى يُشَكِّلُ نظامًا من السيطرة، والهيمنة، التي تُمارسه فئة ما على فئة أخرى، مُتَّخِذَةً بذلك صُورًا عدّة، منها صورة العنف تارة وصورة القانون تارة أخرى.
بهذا الوصف، تبدو السلطة كظاهرة، أداة إيديولوجيِّة، وأداة عنفية قمعيِّة، تسعى لإعادة إنتاج شُروط إنتاج العنف وعلاقاته، بِهدف تغليف تناقضات مجتمع ما، وربطه وتوحيده.

إذن بِهذه الصورة المقيتة للسلطة فإنَّ الثورة على هذا القمع تحتم رفض quot;السلطةquot; بطبيعة الحال لأنَّها تَتنافَى من حيث الأصل والجوهر مع مفهوم السلام والحرية، لذلك نَجد أن السلطة بِمفهومها الحالِي السائد هي مأساة للإنسان الأنانِيّ لأنّها تعبير عن العنف الكائن في داخله حيث يعمد الإنسان إلى التخلي عن حقيقته، وحقيقة الخدمة ، ليُخضِع الآخرين لِمَظاهر العظمة الفارغة .

إن لجوءَ السلطة إلى العنف هو إقرار بالضعف عند صاحب السلطة؛ كما أن العنف يُفقِدُه سلطانَه. لقد آن للسلطات بالرحيل بعدما مارست ما مارست من موبقات وجرائم، ومن قبيل الوقوع فِي لبسٍ كبير تعريفُ استعمال العنف بوصفه الممارسة السوية للسلطة. لا جرَمَ أنّ في إمكان العنف أنْ يُرغِمَ على الطاعة، لكنَّه لا يقدر أن يكون بديلاً عن الكرامة والحرية .

أورلاندو ndash; فلوريدا

http://marwakreidieh.unblog.fr/