مشاهد البؤس والفقر والحرمان التي نشاهدها يوميا على وجوه أطفال الصومال تؤكد أننا نعيش في عالم يفتقر إلى القيم الأخلاقية، عالم يرى فيه الإنسان أخيه الإنسان يموت جوعا ولا يمد له يد العون، عالم تخاذلت فيه الأمم المتحدة منذ زمن عن منطقة القرن الإفريقي، وتجاهلت المجاعة التي تفتك بالملايين من سكانه، وفشلت في القضاء على هذه الكارثة الإنسانية، لأنها ليست على هوى الكبار في هذا العالم، وأي عالم هذا الذي نعيش فيه، عالم تحكمه شريعة الغابة، إننا نعيش في القرن الحادي والعشرين قرن التقدم العلمي والتكنولوجي المذهل، ومع ذلك لم يتمكن جهاز التحذير من المجاعة من رصد الجفاف الشديد الذي تعاني منه منطقة القرن الإفريقي، لكن يبدو أن هذا الجفاف جاء من العدم، ولم تهتم الحكومات وترغب في مد يد العون لأنه ليست لها مصالح هناك.

لماذا تقاعس المجتمع الدولي إلى أن أعلنت الأمم المتحدة رسمياً أن المجاعة في جنوب الصومال قتلت عشرات الآلاف، أغلبهم من الأطفال، فيما وصف بأنه أسوأ مجاعة تعاني منها تلك البلاد المضطربة منذ نحو ثلاثة عقود، أي منذ الإطاحة بنظام quot;سياد بريquot; عام 1991، الكل يعلم أن منطقة القرن الإفريقي كانت تئن تحت وطأة جفاف حاد وتسجل معدلات ادني من هطول الأمطار، وهو ما حذرت منه وكالات الإغاثة، وما زاد الطين بله الحرب الأهلية الدائرة في الصومال، ومنع حركة الشباب المتشددة بعض وكالات الإغاثة من العمل في المناطق التي تسيطر عليها، ولكن لا يجب أن يثني ذلك وكالات الإغاثة عن عملها، ومها يكن من معوقات فالصومال بحاجة إلى 300 مليون دولار خلال شهرين للتخفيف من حدة الأزمة.

تقع المسؤولية على دول العالم العربي فالصومال عضو في الجامعة العربية، وعلى الأخيرة أن تنفض الغبار عن كاهلها، وتمد يد العون للصومال، كفي تجاهل هذا البلد الفقير عشرات السنين،على أثرياء العالم العربي من دول النفط أن تضاعف جهودها، وتحذو حذو دولة الإمارات، إمارات زايد الخير التي لا تدخر جهدا في مساعدة الشقيق والصديق، الكل مسئول وعليه واجب بعد أن تقاعست الولايات المتحدة المشغولة بأزمة الديون، والغرب المنشغل بأزماته المالية.

يقول quot;فرانك إيكيزاquot;، مدير وكالة quot;أوكسفامquot; البريطانية: quot;إن بوادر الأزمة لاحت منذ عدة أشهر، لكن الاستجابة من المانحين الدوليين كانت بطيئة للغاية وغير فعالة، وما نشهده هو انهيار كلي لمسؤولية المجتمع الدولي بشأن التحرك السريع وتقديم العون للمنكوبينquot;، مؤكدا أن هناك عجزاً في تمويل المساعدات يصل إلى 800 مليون دولار، محذراً من أنه quot;عندما تصف الأمم المتحدة وضعاً ما بالمجاعة فذلك يعني أن الناس بدءوا يفقدون الحياة على نطاق واسعquot;.

هذه شهادة مسئول غربي يدين فيها تقاعس الدول المانحة خاصة الولايات المتحدة التي عليها مسئولية أخلاقية تجاه العالم، لكن يبدو أن تجربة الولايات المتحدة المريرة في الصومال يدفعها إلى عدم التفكير في تكرار التجربة، فقد سبق وأرسلت قوات حفظ سلام عام 1992 عقب الإطاحة بسياد بري، وكانت هناك أزمة مجاعة وانخرطت في عمليات عسكرية ضد أمراء الحرب، واضطرت إلى الانسحاب بعد مقتل جنودها وسحلهم في شوارع العاصمة مقديشو، واليوم تخشى أمريكا من حركة الشباب، بدليل تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية quot;هيلاري كلينتونquot; بأن الصومال لم تعرف حكومة مركزية منذ عقود وأن حركة الشباب مسئولة عن تفاقم الوضع، وحين تختلط السياسة مع الأزمات الإنسانية تحدث الكوارث، وليس هناك كارثة أسوأ من أن يموت الناس جوعا.

بحسب مسئولي الأمم المتحدة تراجعت المساعدات الإنسانية للصومال على نحو كبير منذ عام 2008، فالولايات المتحدة قلصت تمويلها الإنساني بحوالي 88 في المئة، إذ قدمت في ذلك العام نحو 237 مليون دولار، ثم تناقص الرقم في 2009 إلى 99 مليون دولار، وفي 2010 وصل الرقم إلى 28 مليون دولار، ويفسر هذا الانخفاض بالقيود التي فرضها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية على المنح الأميركية المقدمة إلى الخارج خوفاً من استفادة مقاتلي حركة quot;الشبابquot; من تلك الأموال واستغلالها لأغراض غير إنسانية.
السؤال الآن هو: ألا يمكن أن نعيش في عالم خال من الأزمات الغذائية؟ ولماذا لا تدفع المجاعة في إفريقيا التي تتكرر كل عقد من الزمان أصحاب الرؤى أن يعملوا على تفادي مثل هذه الكارثة بدلا من أن تصبح وصمة عار في جبين العالم.

إعلامي مصري