مقدمة
نحن نعيش في وقت ثارت فيه الشعوب العربية ضد الظلم والطغيان والاستبداد. والشعب الايراني من جهة سباقة في هذا المجال، ومن جهة اخرى نتمني ونعمل حتى يلحق شعبنا بركب الثورات العربية ايضا. ونرى حكم الملالي يرتجف من هذا المنظور. في هذا الوقت بالذات نشاهد ان الشعب الايراني ومقاومته المنظمة المتمثلة في مجاهدين خلق في مدينة اشرف، قبل اي مكان آخر، يواجهون مؤامرة خبيثة من طبخة امريكية هذه المرة. وفي وقت يقول العالم ومن بينهم الامريكيين بان نظام الملالي هو السند والمؤيد والمساعد للنظام السوري في قمعه ابناء شعبه المنتفض، ففي المقابل نشاهد ان تواطؤاً يلوح في الافق لمساعدة النظام الايراني في القضاء علي مجاهدي خلق في اشرف. لاحاجة الى التذكير بالمجزرة التي ارتكبت في الثامن من ابريل الماضي. ولاشك ان الامريكيين كانوا مسئولين لتلك المجزرة، لكنهم بدل ان يقوموا بواجبهم تجاه تلك المجزرة و،في الاقل، أن ينشروا تقريرهم عن مشاهدات الفريق الامريكي الذي زار المخيم بعد يومين من ذلك الحادث حيث شاهدوا بام اعينهم الشهداء والجرحى والتخريب الذي حصل من جراء الهجوم.

بدل كل ذلك اطلعتنا اليوم صحيفة النيويورك تايمز الامريكية بمقال فريد في نوعه. عنوان المقال هو أن مجاهدي خلق اصبحوا مشكلة عويصة لأمريكا والعراقraquo;. كل ما عرفنا حتى الآن عن مجاهدي خلق انها منظمة ايرانية معارضة تعمل من اجل اسقاط النظام الحاكم في ايران واقامة حكم ديمقراطي. فهي كانت ولاتزال مشكلة عويصة لنظام الارهاب الحاكم باسم الدين في ايران. فالسؤآل الذي يفرض نفسه هو كيف اصبحت هذه المنظمة مشكلة عويصة لامريكا؟

للاجابة عن هذا السوآل يجب قراءة المقال الذي نشر في اوسع صحف العالم انتشاراً. ويجب الاجابة عن سوآل آخر: من اين جاء هذا المقال ومن الكاتب؟
الكاتب شخص أميركي يعمل مراسلا لهذه الصحيفة في بغداد. لكن من الغريب أن السفير الامريكي لورانس باتلر جاء به الى احد اللقاءات بينه وبين قادة المجاهدين في مخيم اشرف. ولم يعلن سعادة السفير بانه مراسلا يرافقه في اللقاء بل قدمه بانه احد العاملين في السفارة الامريكية في العراق! اذن الكاتب كان رجل السفير باتلر.

كيل التهم على مجاهدي خلق
فالمراسل اخذ التوجيهات من السفير باتلر كيف يكتب المقال، وانه كتب المقال وكأنه يكتب مقالا لصحيفة كيهان الايرانية التابعة لولاية الفقيه.
فكتب ان مجاهدي خلق هم الذين قتلوا الامريكان في العقد السابع من القرن الماضي في ايران وانهم قتلوا الشيعة والاكراد في العراق وأن ايديهم ملطخة بالدماء، وأن ايديولوجيا هذه الجماعة خليط من المذهب الشيعي والماركسية، وأن المعلومات التي كشفت عنها هذه المنظمة عن داخل ايران كانت معلومات خاطئة خاصة في ما يتعلق بالنشاطات النووية للنظام الايراني، وانهم اعطوا معلومات غيرموثوقة حول نشاطات النظام الايراني لوزارة دفاع الامريكي، وأن مجاهدي خلق استخدموا في الآونة الاخيرة بعض الشخصيات الامريكية للدفاع عنهم، وذلك من خلال دفع مبالغ هائلة من المال و... ألم أكن صادقاً عند ما كتبت أن النيويورك تايمز اليوم اصبحت على مستوى كيهان؟!

مهمة سعادة السفير
من هو السيد السفير لورانس باتلر؟ هو رجل المهمات الصعبة الامريكية. الرجل الذي قام بحلّ وحسم الامر في عديد من مشاكل العالم، بينها قضية البلقان وكوسوفو وقضيه ايرلندا و... هكذا تكتب النيويورك تايمز ويقدم السفير باتلر.

وفي هذا السياق جاء منذ ثلاثة اشهر الي اشرف، بصفته مستشاراً للسياسة الخارجية للجنرال لويد آستين قائد القوات الامريكية في العراق، لاجراء المفاوضات مع قادة اشرف لجعلهم يقبلون الترحيل من اشرف الي مكان آخر داخل الاراضي العراقية. ويبدو من هذا المقال انه فشل في تطبيق هذه الخطة فلذا يريد الاقتصاص من مجاهدي خلق في اشرف ومن المقاومة الايرانية فوظف الرجل لكتابة هذا المقال. واذا قرأنا السطور الاخير من المقال نعرف جيداً مدى حقده للنساء والرجال الذين لم يكونوا مستعدين لقبول اقتراح سعادة السفير. جاء في الاسطر الاخيرة من المقال:
laquo; في هذه اللحظة السيد باتلر ليس متفائلا بانه يستطيع من حلّ هذه الجماعة او ترحيلهم. وبعد عودته الى السفارة الامريكية في بغداد علي متن طائرة هليوكوبتر، بعد احدى جلسات المفاوضات قد ابدى قلقه لعدم وجود ارادة سياسية في أمريكا لحل هذه المشكلة.

quot;أتوقع أن واشنطن لن تعطيني أي تأييدquot;، وقال quot;انها مجرد السم. انه الارهاب. انها ايران. انها العراق. quot;raquo;
ويكفي قراءة هذه الفقرات مرة حتى نعرف أن سعادة السفير الذي كان يرى ان مهمته تفكيك مجاهدي خلق في أشرف وجعلهم افراداً بدلاً ان يكونوا تنظيماً متماسكاً، ومن ثم ترحيلهم الى مكان آخر، قد فشل في تطبيق هذه المؤامرة، ولذا بدأ ينطق بلسان العدو.

لقاءات والحل المقترح
بعد ما شنّت القوات العراقية بأمر من المالكي وبطلب من النظام الايراني الهجوم علي اشرف في الثامن من ابريل وارتكبت المجزرة بحق مجاهدي خلق سكان اشرف وقتلت 36 منهم وجرح مئات، وبعد ما هربت القوات الامريكية من القيام بالتزامهم تجاه سكان اشرف ووضعتهم تحت رحمة المدرعات والرشاشات، وبعد ما ادينت هذه الجريمة ضد الانسانية وجريمة حرب من قبل عديد من دول العالم والمنظمات الدولية وجميع المنظمات والهيآت المدافعة عن حقوق الانسان والشخصيات السياسية والبرلمانية في مختلف دول العالم، وبعد ما زار وفد البرلمان الاوربي العراق واجرى لقاءات مع جميع القادة العراقيين والامريكيين هناك وجاء بعدها بمشروع محدد لنقل سكان اشرف الي دول اخرى، جاء السيد السفير باتلر على رأس وفد أمريكي لاجراء مفاوضات من ممثلين عن سكان اشرف بهدف البحث عن حلّ لهذه المشكلة. خاصة وان الحكومة العراقية اعلنت رسمياً ان اشرف سيغلق حتى نهاية هذا العام.

أجرى الرجل عدة لقائات مطوّلة مع ناس يعيشون حالة حصارشامل. ناس حتى ما استطاعوا من دفن شهدائهم في بداية هذه المفاوضات ومهددين بان عليهم ان يعملوا من أجل انهاء اشرف قبل نهاية هذا العام. وإلا فإن مصيرهم غير معلوم. فالسفير باتلر استخدم كل هذه الوقائع كاوراق لاجل فرض ضغط على قادة أشرف وطرح منذ البداية موضوعا واحداً وهو ضرورة ترحيل سكان اشرف من هذا المكان الي مكان آخر. ولما سمعنا هذا الاقتراح رأينا ان ليس هناك اي مبرر سياسي او امني او قانوني لهكذا اقتراح، وأن هذا اقتراح غير منطقي وغير معقول. لكن ممثلو سكان اشرف في البداية حاولوا أن يعرفوا ما هو الهدف من هذا الاقتراح؟ فهو قال العراقيون حددواً موعد نهاية هذا العام لبقاء اشرف، وبعده لن يكون هناك اشرف، فإذا اردتم البقاء في الحياة فيجب ان تقبلوا اقتراحي في النقل الى مكان آخر. وبعد ما سألوه وهل الامريكان يقومون بحماية المكان الجديد قال بكل صراحة لا! فما هو ضمان الامن لسكان اشرف في المكان الجديد؟ فردّ الرجل بان ليس هناك ضمان لكن يمكن أن يكون افضل امنا من هذا المكان. لان هذا المكان لن يكون موجودا بعد نهاية العام! يا ترى من منطق أنساني؟!

ولم يكن لاحد شك بان مغزى هذا الاقتراح هو تسهيل مهمة المالكي والملالي للقضاء على أشرف بهدوء. لان أشرف اصبح مكانا معروفاً دولياً يصعب علي الجناة القيام بارتكاب مجزرة أخرى دون دفع فاتورتها عالمياً.

انه اضاف بانكم يجب ان تنقلوا الى المكان الجديد وفي الوقت نفسه يجب ان تقوموا بحل وتفكيك تنظيمكم وان تتركوا الحالة الراهنة لتصبحوا افرادا، وبعد ذلك يمكن للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين ان تقوم بتسجيل كل فرد منكم لاجئ سياسي وذلك بعد تقييم حالة وتاريخ كل فرد علي حدة. والسبب الذي قاله الرجل هو انكم مازلتم منظمة شبه عسكرية وهكذا ينظر اليكم من الخارج فيجب حل جميع المراتب التنظيمية.

لاشك ان هذه الفقرة الاخيرة هي الخط الاحمر بالنسبة لمجاهدي خلق. لانهم لايمكن ان يقبلوا بهذا الهوان وهذا العار. انهم انضموا الى منظمة مجاهدي خلق لانهم من خلال تجربة تاريخية غالية الثمن توصلوا قبل 45 عاما بان ما تفقده نضالات الشعب الايراني خلال عقود من الزمن هوعدم وجود حركة تنظيمية في ايران واراد مؤسسو المنظمة من ملىء هذا الفراغ التاريخي. ثمن هناك تاريخ مليئ بالفخر والدماء لهذه المنظمة وكيف يستطيع اعضاء هذه المنظمة التنازل في هذا المجال؟ العالم شهد ان حوالي ثلاثين الفا من مجاهدي خلق اعدموا في عام 1988 بسبب عدم قبولهم التنازل من هذا المبدأ، حيث ان القضاة المنصوبين من قبل خميني وضعوا جميع السجناء السياسيين اعضاء المنظمة امام سوآل بسيط: الى اية منظمة تنتمي؟ فكل من ردّ على هذا السؤآل بـ laquo; مجاهدي خلقraquo; فكان مصيره الاعدام. لان خميني في فتواه التي ايده جميع زعماء النظام من خامنئي ورفسنجاني وموسوي وخاتمي و... قال كل شخص بقى ملتزمًا بموقفه يجب اعدامه. هنا يبرز سوآل جادّ: كيف يمكن لنا ان نترك حركتنا التنظيمية؟ والجواب واضح جدا: اما نكون او لانكون.
مجاهدو خلق لاينصبون عداءا ضد أحد سوى نظام الملالي الحاكمين في بلدهم والذين قاموا باغتصاب السلطة الوطنية من الشعب. وتجاه هذا العدو موقفهم واضح جدا وقد اعلنوه مرارا وتكراراً. انهم في هذا المجال يقولون خطابا للملالي ما قاله امامهم الحسين بن علي بي ابي طالب عند ما طلب منه يزيد بن معاوية البيعة حيث laquo; ألا وان الدعي بن الدعي قد ركزني بين اثنتين: بين السلة والذلة وهيهات منّا الذلةraquo;.

طروحات
لاشك ان الاساس في جميع الطروحات لحل قضية اشرف هو الطرح الذي قدمه البرلمان الاوربي واخذ مداه في الاوساط السياسية في العالم.
لكن حتى لايبقى أي غبار على حسن نية مجاهدي خلق، فانهم طرحوا ستة طروحات مكمّلة بديلة لحلّ مشكلة اشرف من أن يقبل العراقيون أن يعاملوا معاملة اي حكومة ديمقراطية أخري، وأن يبق السكان في اشرف وفقاً للقوانين الدولية، او ان يبقوا في هذا المكان كما كانوا ويقوم الامريكان بحمايتهم كما تعهدوا في الاتفاقيات التي وقعوها مع كل فرد فرد من سكان اشرف، او أن يبقوا في هذا المكان ويأتي فريق دائم من الامم المتحدة بصفت المراقب، او ان ينقل سكان اشرف الى مكان آخر لكن بشرط ان يضمن الامريكان انهم يقومون بحمايتهم هناك، او ان يجلب الامريكان قبول حكومة اخرى بأن ينقل سكان اشرف الى منطقة خالية فيها بشكل مؤقت حتي نقلهم الى بلدان اخرى، او أن اشرف ان يذهب سكان الى الولايات المتحدة الامريكية على ان يبقوا في مكان مغلق محصورين حتى نقلهم الى بلدان أخرى.
لكن يبدو ان لدى سعادة السفير مهمة اخرى.

مهمة السفير جفري
و من الجدير بالذكر ان ليس هذا هو السفير باتلر الذي يضطلع في هذه المؤامرة، حيث ان سفير الولايات المتحدة الامريكية في العراق جيمس جفري ايضا قد اتخذ نفس الموقف. ونقلت وكالة الآسوشيتدبرس في الرابع من تموز 2011 أنlaquo; السفير الامريكي في العراق حذّر بان الجيش الامريكي سيقطع زياراته المنظمة من اشرف، وطلب بشكل مؤكد من الجماعة المعارضة الايرانية ان تقوم بتفكيك laquo;الميليشيات المسلحةraquo; وان ينقلوا إلي مكان آخر في العراق بشكل لاجئين.

واخيرا
هناك نقطة اخرى ايضاً لاغني عن الاشارة اليها وهي التقدم الذي احرزته المقاومة الايرانية في المجالين السياسي والقانوني خلال الايام الاخيرة. المجال القانوني المتمثل في اصدار المحكمة الاسبانية قرارها باستدعاء قادة القوات العراقية التي شنت الهجوم على اشرف في الثامن من ابريل، كما ذكرت المحكمة ان نوري المالكي ايضاً مطلوب لدى المحكمة الا انه يستفيد الآن من الحصانة الدبلوماسية لكنه بمجرد نزوله من هذا المنصب يجب ان يقدم نفسه الى المحكمة.
والمجال السياسي هو المادة الاصلاحية التي جاءت منضمة الى لائحة الميزانية الامريكية والتي صادقت عليها لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الامريكي، حول اشرف. وستصبح هذه الاصلاحية قانونا ان شاء الله.

فإذا كان هدف من هذا المقال أن يقول بأن سكان أشرف هم المسؤولون عن المجزرة القادمة وأن يبرّء نفسه وحكومته من هكذا سناريو فيجب القول بأن الحقيقة عكس ذلك تماماً، حيث أن تمهيد الارضية يشير إلى التعمد المسبق لجريمة قادمة. خاصة وأن مجاهدي أشرف قد تقبلوا مبدأ الانتقال هذه المرة.

د. سنابرق زاهدي

(رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية)